ملخص رسالة مهند عبد

المقدمــة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

       الحمد لله ربِّ العالمين والشكر له على نواله , والصلاة والسلام على محمد وآله 0

أمَّا بعد

       فالتراث اللغوي عند العرب فيه كثير من الظواهر اللغوية التي يجد فيها الدارس ثراءً في مفرداتها وتراكيبها وأساليبها وسعةِ ألفاظها ومعانيها ، وسبب هذا الثراء ؛ هو أنَّ الله سبحانه وتعالى شرَّفها إذ أنزل القرآن الكريم بها ، فأصبحت محط أنظار العلماء فدأبوا على دراسة تفاصيلها وظواهرها

وقد حظيت الأدوات النحوية بعناية خاصة من علماء العربية قديمًا وحديثًا بوصفها من أهم العوامل المؤثرة في المعنى ، فراودتني رغبة في دراسة هذا الجانب من جوانب اللغة الذي يكاد يكون أوفر جوانبها نصيبًا في الدراسات النحوية، لكنَّني أحسب أنَّ في جنبات هذا الموضوع مسائل لم تمتد إليها يد الباحثين بشكل تفصيلي ، وهي (دلالة الأدوات)

ولمَّا كان الخلاف النحوي ظاهرة من أهم الظواهر اللغوية التي ساعدت على إنماء اللغة العربية وإسباغ مسحة التجديد عليها ، ارتأيت أن يكون موضوع هذه الدراسة محصورًا في الخلاف بين البصريين والكوفيين في دلالة الأدوات ، وبعد مشاورة أساتذتي في هذا الموضوع استقر الرأي على أن يكون عنوان رسالتي : ( دلالة الأدوات بين البصريين والكوفيين )     

وقد جاءت كلمة (دلالة) في العنوان ؛ لكي أميز بها حدود هذه الدراسة في هذا المجال الدلالي ليس غير ، أمّا مصطلح (الأدوات) فقد استعملته عوضًا عن مصطلح (حروف المعاني ) لِسعة هذا المصطلح وشموله ، وهذه المسألة قد عالجتها في تمهيد هذه الدراسة

أمّا تحديد العنوان بعبارة (بين البصريين والكوفيين) فيأتي من كون هذه الدراسة – إن شاء الله– ستقتصر على الأدوات التي وقع خلاف في دلالتها بين هاتين المدرستين ؛ إذ تتمثل القيمة العلمية لهذه الدراسة في النحو العربي بوضع اليد على الخلاف الدلالي في الأدوات بين البصريين والكوفيين مع عرض هذه الموازنة على كتب المحدثين وكتب التجديد ، ومن ثمَّ ننتهي إلى ترجيح الدلالة الأقوى للأداة ورفدها بالدليل العلمي الذي يؤيد هذا الرأي أو ذاك

وهذه القيمة العلمية تتجلى عند الدلاليين في بيان مدى تأثير دلالة الأدوات في تغيير المعاني ولاسيَّما فيما يتعلق بالنص القرآني والاختلاف في تأويله مما تسبب في نشوء الفرق والمذاهب

واتساقًا مع هذا المطلب في معالجة الموضوع ، وجدت المنهج الذي يوصلني إلى مبتغاي والذي يتساوق وطبيعة هذه الدراسة هو منهج الموازنة ، للوصول إلى توصيف دقيق ومعالجة مثالية للمسائل المُعالجة

وقبل أن أُشرِعَ في دراستي كان حريًا بي أن أُحصي هذه الأدوات التي اختُلِفَ في دلالتها بين البصريين والكوفيين ، فكان مضمار عملي كتب معاني الحروف وكتب مطولات النحو العربي، ومنها مغني اللبيب لابن هشام الأنصاري، والجنى الداني للمرادي،ورصف المباني للمالقي، وكتب الخلاف النحوي؛نحو التبيين عن مذاهب النحويين للعكبري،وغيرها من المصادر والمراجع

وبعد هذا الاستقراء استطعت أن أُحصي مجموعة من الأدوات النحوية المختلف في دلالتها بين نحاة المدرستين ؛ إذ استطعت من خلالها رسم خطة لهذه الدراسة ، فتحتَّم عليَّ أن أسلك سبيلًا علميًا محددًا اقتضى أن أُمهِّد للبحث بعرض موجز لمعنى الأداة لغةً واصطلاحًا ، مبينًا حدود الترابط بين الأدوات والحروف والفارق بين المصطلحين ، ومن ثمَّ شرعت في تقسيم هذه الدراسة على أربعة فصول ، فعرضت في الفصل الأوّل (دلالة الأدوات الأحادية ) ، إذ ضمَّ الأدوات الأحادية في بنائها والمختلف في دلالتها بين نحاة المدرستين ، وعرضت في الفصل الثاني ( دلالة الأدوات الثنائية ) ، وضمَّ الفصل الثالث ( دلالة الأدوات الثلاثية) ، في حين عقدت الفصل الرابع للأدوات الرباعية و مازاد عليها، ومن ثمَّ أنهيت البحث بخاتمة ذكرت فيها أبرز النتائج التي تمخض عنها ، فتكون خطة البحث مقسمة على أساس البناء ، ثمَّ قسَّمت الأدوات في داخل كل فصل بحسب الترتيب الألفبائي ، والسبب في اختيار هذا التقسيم لهذه الدراسة ؛ هو أنَّ الرسالة اعتمدت في الأساس على ( دلالة الأدوات ) فلو قسَّمت الأدوات على أساس الوظيفة أو العمل لتضارب ذلك مع عنوان البحث .

ولم أستطع تقسيم الأدوات على أساس دلالاتها لأنَّ البحث قد ارتكز على الأدوات المختلف في دلالتها، فوجدت التقسيم بحسب البناء والترتيب الألفبائي تقسيمًا منهجيًا وعلميًا

من الصعوبات والمعوقات التي رافقته من أوّل خطوة ؛ إذ وقفت أمام محيط متلاطم الأمواج وأنا أبدأ بجمع مادة البحث ، فقد كان عليَّ أن أتفحص جملة من المصادر والبحوث لكي أحصي الخلاف الدلالي للأدوات النحوية ، ولعلّ مازاد في صعوبة الموقف أنَّه لم يكن البحث محددًا في كتاب واحد ولا مقصورًا على حقبة زمنية محددة، ولم يقف عند أداة واحدة ؛ ولأنَّ غير واحد من الباحثين قد سبقوا إلى دراسة الأدوات فتناولوها من جوانب متعدِّدة ، فتطلب ذلك مني أن أشحذ الهمم وأعمل بجدٍ للارتقاء بهذا العمل إلى مستوى الدراسات التي سبقت هذه الدراسة ، ولا أدَّعي أنَّ البحث بمنأى عن المزالق والهنات ولا أنَّه مستوسق الجنبات ، لكنني على إيمان وثقة عاليين بأنَّ عملي المتواضع مكمِّل لما سبقه من جهود في هذا المجال ، ولعلي أتشرف بأن أكون ممن يخدم هذه اللغة التي شرَّفها الله تعالى؛ وأضيف بهذا العمل اليسير قطرة إلى بحر مكتبتنا العربية التي تزخر بمؤلفاتها الكبيرة لخدمة كتاب الله وتراثنا العربي

ولا يفوتني في هذا المقام أن أُسجل شكري وامتناني لجميع أساتذتي في قسم اللغة العربية ، فإنَّ من موجبات الاعتراف بفضل الآخرين تقديم الشكر لهم ، إذ لم يبخلوا علي َّبأية معلومة أو نصح، وذللوا كثيرًا من الصعوبات التي اعترضت طريق البحث ،وأخصُّ بالذكر أستاذي ومرشدي الدكتور عادل نذير بيري ، وأشكر جميع من شاركوا في إنجاز هذا البحث ، فجزاهم الله عنِّي ألف خير لِما قدَّموا 0

وأخيرًا أرجو أن أكون قد وفقت فيما عزمت عليه ، إذ لم أدخر جهدًا ، وآثرت السهر على الراحة ، وحسبي أنَّها خلاصة جهد جاهد ، وحصيلة عناء طويل ، فإن أصبت فذلك من فضل الله تعالى وكرمه ، وإن كانت الأخرى فمن نفسي المخطئة ، فأسأل الله تعالى أن يوفقني وإياكم ، ويلهمني السداد في الرأي