محمد عبد الرزاق محمد عباس الشوك

                   المقدمة

   شهد العالم مع نهايات القرن العشرين تطوراً هائلاً وسريعاً ،وبشكل لم يسبق له مثيل ، في عالم الاتصالات وتكنلوجيا المعلومات ، التي كان لها دوراً هاماً في إيجاد وإبراز بعض الأنواع الجديدة من السلع والخدمات ، ولعل أهمها خدمات الاتصالات الحديثة ، وبخاصة خدمة الإنترنت (Internet Service) ، فظهور هذه الخدمة الى حيز الوجود كان بحق انعطافة مهمة في مسيرة البشرية نحو التطور . ومهما يكن الأمر فأن الانترنت جعل من العالم قرية صغيرة ، ولهذا نعتقد ان بعضاً من شركات الاتصالات المزوّدة لخدمة الانترنت كانت محقة في إطلاقها بعض العبارات الإعلامية بأنها تصغر العالم أو تجعله قرية صغيرة ، فقد أضحى استخدام الانترنت وسيلة هامة في سبيل تطور العلاقات بين الأشخاص ونموها وتشعبها في شتى ميادين الحياة فأصبح بإمكان الأقرباء والأصدقاء الاتصال ببعضهم عن طريقها ثم ان استخدام الانترنت أصبح وسيلة هامة لإبرام العقود والقيام بأغلب المعاملات المالية ، إذ يستطيع مستخدم الانترنت أن يحصل على اغلب مستلزماته وان يتبضع من خلالها متجاوزاً عاملي المكان والزمان، وكذلك يستطيع المستخدم القيام بعملياته المصرفية عبر شبكة الانترنت خصوصاً إذا كان عميلاً لمصرف يتبنى المعاملات المصرفية الالكترونية فضلاً عن كثير من المزايا والأعمال الأخرى التي لامجال للخوض فيها هنا .

   إن الانترنت (Internet) مختصر لكلمتي (International Netwerk) اللتين تأتيان بمعنى شبكة الاتصالات الدولية . فالإنترنت هو عبارة عن شبكة عالمية ضخمة مكونة من العديد من الحاسبات الالكترونية المتصلةِ ببعضها البعض عن طريق خطوط الاتصال .

ولا يقتصر الانتفاع من هذه الشبكة على الأفراد بل يتعداها ايضاً الى الشركات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية ، وهذا الذي دفعنا الى القول بأن مستخدم الانترنت هو شخص سواء كان طبيعياً أم  معنوياً ، ولا يمكن لهؤلاء الأشخاص الافادة من شبكة الانترنت أو الدخول إليها من دون أن تكون هناك خدمة انترنت متاحة لهم وذلك للارتباط بالشبكة وأجهزة الحاسوب ، ويتحقق هذا الربط عن طريق الاتصال فيما بينهما وهذا يستلزم بدوره وجود اشتراك في هذه الخدمة ولا يتم إلا عبر عقد يبرم بين مستخدم الخدمة (المشترك) من جهة وبين شركة الاتصالات المزوّدة لهذه الخدمة Internet servet Provider ( isp)

من جهة أخرى .

 

 

 

وليس بنا حاجة الى القول ان إبرام هذا العقد تنشأ التزامات وحقوق متبادلة لكلا الطرفين كما أن إخلال احد طرفي العقد بالتزاماته الناشئة عنه ربما يؤدي الى مشاكل قانونية قد تعرض على المحكمة ، عندها يحتم على القاضي وضع المعالجات لها .

والسؤال الذي يتبادر الى الذهن هنا هو : ما جدوى اعمال القواعد العامة لتحديد التزامات مزوّدي خدمات الانترنت ومسؤولياتهم ، لا سيما في ظل غياب الضوابط القانونية الخاصة في هذا المجال ، وبالنتيجة مدى ملائمة الحلول المستقاة في هذا الصدد ؟

   ونعتقد إن اللجوء الى القواعد العامة لتحديد التزامات مزوّدي خدمات الانترنت ومسؤولياتهم امراً سينتابه القصور وذلك لسببين أولهما ، حداثة المشاكل التي يثيرها هذا المجال ، ومن ثم عجز هذه القواعد عن المواكبة الدقيقة والفعّالة للتطور التكنولوجي الحاصل فيه ، وثانيهما ، خصوصية تقديم خدمات الوساطة على الانترنت ، هذا يحتاج الى بيئة تشريعية خاصة ومتوازنة ، وبالتالي لابد من ابتكار ضوابط قانونية خاصة ذات حلول ملائمة وتطبيقها على خدمات الوساطة عبر الانترنت الى جانب القواعد العامة .

   وتعد المسؤولية المدنية النتيجة الطبيعية للإخلال بالالتزامات المفروضة على كاهل مزوّدي خدمات الانترنت ، كما تعد دراسة موضوع المسؤولية المدنية لمزوّدي تلك الخدمات في غاية من الأهمية والصعوبة ذلك ان الانترنت ليس منطقة بلا قانون , كما يقال ، بل تتضافر العديد من القواعد القانونية التي تحكم النشاط الالكتروني ، وهذه القواعد تجد مصدرها في القانون الجنائي أو القانون المدني وقانون حماية المستهلك والتشريعات الخاصة بالتجارة الالكترونية في البلدان التي أصدرت مثل هذه التشريعات . كما أن تحديد المسؤولية عن الأضرار التي تنتج عن شبكة الانترنت ، ولا سيما تلك الناشئة عن المضمون المعلوماتي غير المشروع يعد من أدق الموضوعات التي يمكن التصدي لها وذلك بسبب الطابع الفني المعقد للشبكة من جهة وطبيعة مهمة مزوّد خدمة الانترنت التي تقتصر على توصيل المشترك بشبكة الانترنت فنياً وذلك عن طريق توفير الوسائل التقنية التي تسمح لعملائهِ المشتركين بالدخول الى الشبكة والتجول فيها من جهة أخرى ، ومعنى ذلك أن الدور الذي يباشره المزوّد لا يتعدى الوساطة الفنية ، إذ يُمكّن المشترك من الدخول الى الشبكة والتجوال فيها والاطلاع على ما يريد من خلال المساهمة المادية في ايصال العميل المشترك بالشبكة وبث المعلومة التي يسعى الى الحصول عليها ، وبالرغم من أن عمله يقتصر على الوساطة إلا أنه يتميز بأهمية كبيرة ، فلولاه لما تمكن المشترك من الاتصال بالموقع محل

 

 

الاشتراك أو الحصول على المعلومات التي تبث عبر الموقع .

   ان طبيعة الدور الفني الذي يقوم به مزوّد خدمة الانترنت له أثر كبير في تحديد مسؤولياتهم ، لأن هؤلاء يرتبطون مع غيرهم بعقد الاشتراك ، فليس هنا صعوبة في تحديد مسؤوليتهم اتجاه هذا الغير ، إذ يمكن الركون الى العقد لتحديد هذه المسؤولية ، ولكن الصعوبة تكمن في تحديد درجة هذه المسؤولية عن المضمون المعلوماتي الذي يمر عبر أدواتهم الفنية وهذا يستلزم إيجاد نظام فعّال لمسؤولية مزوّدي خدمات الانترنت .