هند مهند عبد

                               الخاتمة

 

           تبين من خلال دراسة مشكلة المسائل الأولية في إطار النظرية العامة لتنازع القوانين أن هذه المشكلة تعد من أكثر المشاكل القانونية تعقيدا ً وغموضا ًكما أنها كمشكلة واجهت المحاكم والقضاة تعد ّ قديمة من الناحية التاريخية لكن ظهورها كنظرية متميزة الجوانب لا تعتبر كذلك فهي حديثة العهد حيث برزت على يد الفقهاء الألمان في مؤلفاتهم وبحوثهم .

ولأجل التعمق في ماهية هذه المشكلة ومفهومها وبحثها من جوانبها كافة فقد تناولنا في مبحث تمهيدي النظرية الأم ألا وهي نظرية تنازع القوانين نظرا ً لارتباط نظرية المسائل الأولية بنظرية تنازع القوانين , فكان لابد من عرض مختصر لها.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فالمسائل الأولية ليست بمعزل عن المشاكل والنظريات القانونية الأخرى كالتكييف والإحالة التي لطالما استدق على كثير من الباحثين في مجال القانون الدولي الخاص الفصل والتمييز بينها .

لذا فقد تطرقنا إلى تلك الجوانب كافة ابتداءً بمفهوم المسائل الأولية والذي تعرضنا فيه إلى تعريفها وتمييزها عن الأفكار كافة المشابهة لها ، إضافة إلى دراسة الطرق المتبعة لدى القوانين و التشريعات لحل مشكلة تنازع القوانين بشأنها .

وتعزيزا ً لما أوردناه من أفكار قانونية ، و إسنادا ً لما تم بحثه لم نغفل الجانب العملي للنظرية والذي تطرق إلى أهم التطبيقات القضائية التي عرضت أمام القضاء نظرا ً للدور البارز الذي لعبه القضاء في إظهار هذه النظرية وتطورها إذ تضمنت الدراسة عرضا ً لأهم الأمثلة القضائية وحلولها التي اتبعتها المحاكم في العديد من الدول سواء في العراق أو الدول العربية أو في الدول الأجنبية .

وعلى الرغم مما احتوته الدراسة من توضيحات لمفهوم هذه النظرية وما تضمنته من عرض لأهم الاتجاهات الفقهية ، والطرق المتبعة لفض التنازع بشأن هذه المشكلة لكننا لا نتمكن من القول بأن هذه الدراسة قد ألمت بالجوانب التشريعية والفقهية لها كافة ؛ بل يمكن أن نكون قد أسهمنا من خلالها مساهمة بسيطة في إزالة بعض من الغموض الذي يعتري هذه النظرية بما يمكن الباحث في مجال القانون الدولي من التعرف عليها والتمييز بينها وبين النظريات الأخرى التي قد تلتقي معها في جانب أو أكثر , فكانت خلاصة ذلك أن توصلنا إلى عدد من النتائج كان أهمها:-

 

1-  إن المسائل الأولية التي يعنى بها البحث هي كل مسألة يتوقف على الفصل فيها الفصل في المسألة الأصلية التي نشأت المسألة الأولية بمناسبتها .

والمسائل الأولية معروفة في القانون الداخلي وفي فروع القانون كافة وليس فقط في القانون الدولي الخاص .

2-  إن احتواء القاعدة القانونية بين طياتها على عدة مفاهيم قانونية يتطلب توضيحها وإعمالها إعمال قواعد قانونية أخرى ، مما يشكل بالنهاية ترابطا ً بين تلك القواعد القانونية وهو السبب الرئيس لتكوين مشكلة المسائل الأولية وإثارتها .

3-  أسهم القضاء بشكل لا يمكن إغفاله في إبراز مشكلة المسائل الأولية كنظرية قانونية في القانون الدولي الخاص وذلك عن طريق القضايا التي عرضت أمامه ،والتي تمكن من خلالها من عرض هذه المشكلة بالصورة العملية والتي أسهمت إلى حد كبير في تكوين النظرية فقهيا ً وتطورها.

4-  لا تختلف الطبيعة القانونية للمسألة الأولية عن أية مسألة أخرى أصلية ذلك أن الاختلاف إنما يكون في ذاتية المسألة وموضوعها ، لكن الفارق الذي جعل منها مسالة أولية هو توقف حل المسالة الأصلية على حل المسألة الأولية ومن ثم فإن المسألة الأصلية أسبق في عرضها على القضاء من المسألة الأولية .

5-  على الرغم من أوجه الشبه بين كل من المسائل الأولية والنظريات الأخرى التي ظهرت في إطار النظرية العامة لتنازع القوانين لكن هناك فارقا ً كبيرا ً بينهما .

فالتكييف والمسائل الأولية مختلفان من وجوه عدة ، لعل أهمها الفارق الزمني إذ أن التكييف يبدأ عند عرض مسألة معينة على القضاء وذلك قبل تعيين القانون المختص أما المسائل الأولية فإنها تثور بعد تعين القانون المختص .

6-  على الرغم من تعدد النظريات والاتجاهات الفقهية التي اتبعت في حل تنازع القوانين بشأن المسائل الأولية ورغم ما يحويه أي اتجاه منها من عيوب ومزايا إلا أن الاتجاه الحديث أو المرن المتبع في حل مشكلة المسائل الأولية قد تفوق على غيره من الاتجاهات الأخرى، نظرا لكونه يفرد لكل مسألة أو حالة الحل الملائم لها من دون التقيد بمبدأ معد سلفا ً وهذا من شأنه أن يحقق العدالة التي يرمي إليها القانون .

7-  على الرغم من أن هذه النظرية ليست سهلة التطبيق لاسيما بشأن المسائل المركبة التي يحكمها أكثر من قانون كالزواج والعقود الدولية أو كما توصف بأنها نظرية غير حقيقية أو مجرد آلية معقدة وعدم اكتراث جانب من الفقه بها خاصة في الدول الأنكلوسكسونية والدول اللاتينية على اعتبار إن ليس لها مستقبل كبير ،لكن إمكانية الإعمال المحدود لها أصبحت واردة ولكن في ظروف كل حالة على حدة لاسيما أن أغلب التشريعات أصبحت تتخذ منها وسيلة للخروج من الفكرة المضيقة للنظام العام في بعض الدول كالنمسا وفرنسا .

ولكي تكتسب هذه الدراسة أهميتها في إطار القانون الدولي الخاص فإننا نتقدم ببعض المقترحات التي نرجو أن تأخذ بعين الاعتبار وهذه المقترحات هي :-

1-  تضمين التشريعات والقوانين نصوصا ً تتعلق بالمسائل الأولية وكيفية حل تنازع القوانين بشأنها ، بما يضمن الوصول إلى أحكام ومبادئ عامة لمشكلة المسائل الأولية ، كتضمين القانون المدني العراقي نصوصا ً تتعلق بالحلول الواجب إتباعها في حالة نشوء مسألة أولية .

2-  تنظيم دراسات قانونية فقهية فيما يتعلق بهذا الموضوع ، وإعداد البحوث القانونية بشأنه تحت إشراف أساتذة مختصين في القانون الدولي الخاص بما يكفل تطوير الجانب العلمي لدى الطالب والباحث وتطوير هذه النظرية فقهيا ً .

3-  إبراز الدور المهم الذي قام به القضاء في تطوير هذه النظرية ، وذلك عن طريق حث المحاكم ومطالبتها بضرورة الاهتمام بالقضايا المعروضة أمامها والتي تثير مسائل أولية يتطلب الفصل فيها قبل الفصل في المسائل الأصلية وذلك لكي نضمن وجود مسائل قضائية تسهم مع الاتجاهات الفقهية والتشريعية كافة في إيجاد حلول متطورة لهذه النظرية .

4-  ضرورة أن يسن في العراق قانون دولي خاص يختص بوضع الحلول الموضوعية والإجرائية لنظريات تنازع القوانين كافة ، و الاهتمام به ليس فقط في الكليات القانونية وإنما في المؤسسات ذات العلاقة كافة والمعاهد القضائية ووجوب إعداد قضاة على درجة عالية من الكفاءة العلمية والفقهية وعلى دراية بمادة تنازع القوانين ، ومراعاة ذلك في المتقدمين للدراسة في المعاهد القضائية وذلك لكي نضمن قضاء ً متطورا ً يسهم إلى جانب الفقه في تطوير وحل النظريات و المشاكل القانونية.

                                  

والله الموفق