علي حسين يوسف

بسم الله الرحمن الرحيم

   والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد وعلى آله الميامين وأصحابه المنتجبين.

أما بعد:

   فإن الخطاب النقدي العربي في السنوات موضع الدراسة يمثل استجابة للمتغيرات الجديدة الناشئة من رحم الواقع العربي وإفرازاته الفلسفية ، والاجتماعية ، واللاهوتية ، والمتأثرة بحركية الأنا والآخر بمساريها الإيجابي والسلبي , لذلك افرز ذلك الخطاب مشكلات مرحلية كثيرة اتسم اغلبها بطابع جدلي ملتبس .

   وتبعا للطبيعة الجدلية لتلك المشكلات فإنه من الاصوب توصيفها بـ (الإشكاليات) بوصفها مفهوما دالا على القضايا النقدية ذات الطابع الجدلي التي أفرزتها الحركة النقدية العربية المعاصرة ولونتها بصبغتها وميزتها عن المشكلات التقليدية .

   وقد حددت الدراسة بالثلاثين سنة الأخيرة (1980-2010) نظرا لأهمية الإشكاليات في المدة المذكورة إذ إنها تشير الى بداية حراك نقدي عربي واضح متزامن مع ما يسمى عالميا بمرحلة (ما بعد الحداثة ) في محاولة لتأسيس هوية نقدية عربية حديثة .

     والنقد العربي المعاصر بوصفه مجموعة من الأفكار والرؤى والتصورات التي تستند على مبادئ وأسس معرفية وإيديولوجية ، والتي تجسدت في النتاج النقدي للمدة موضوع الدراسة ، فإن وصفه بالخطاب النقدي – بحسب ما يرى الباحث- أدق تعبيرا وأكثر دلالة من وصفه بـ (النقد العربي) الذي لا يتسع لكل هذه المفاهيم وتأتي هذه التسمية تماشيا مع الطرح السائد الذي يؤكد على ان مفهوم الخطاب يتضمن في اهم معانيه ــ كما لاحظ غرايس ــ دلالات غير ملفوظة يدركها السامع دون علامة معلنة او واضحة , فالنقد العربي اهم ما يلاحظ عليه : انه ما زال يبحث عن هويته من خلال المراوحة بين التراث والحداثة , وهذا البحث عن الهوية امر غير معلن في المتن النقدي العربي , بل يمكن للمتتبع ملاحظته بسهولة .

   ثم ان الخطاب النقدي – بوصفه حقلا معرفيا- يمثل مجموعة كبيرة من الممارسات النقدية والأحكام النسبية التي تتمظهر بحسب الزمان والمكان وثقافة المجتمع ورؤى النقاد بات من المستبعد أن يحسم أمره مع المتلقين، ويتخلى عــــــــن واقعه الجدلي، لتواشجه مع الفلسفة في طابعها الحركي مما يجعل عمله هذا ليس بالهين في تحديد مسارات النصوص الأدبية وضبط اشتغالاتها وموضعة مرتكزاتها الفكرية والجمالية على الرغم من توظيفه أكثر من منظومة مفاهيمية وأداة نقدية ، لذلك باتت الحاجة ضرورية لنقد النقد ليصحح مسارات النقد ويقوّم من كبواته ويقلل من هفواته .

     وإذا كانت صعوبة النقد الأدبي ومحاذيره متأتية من طابعه الجدلي، وأحكامه القيمية – كما مر- فإن مهمة نقد النقد ستصبح أكثر صعوبة وتعقيدا من النقد ذاته لاسيما إذا أريد لهذا الحقل أن يستشرف مفصليات العمل النقدي بالدقة والموضوعية الممكنتين.

   ولابد من التأكيد على أن هذه الدراسة حاولت ان تعتمد منهجا تفكيكيا يبتعد ـ قدر الإمكان ـ عن المعالجات التبسيطية ، بغية الكشف عن دلالات النظرية النقدية إذ يعتقد الباحث أن العمل النقدي الجاد لابد ان يواجه الواقع دون مواربة ، ليس في مجال التنظير فقط بل في جوانبه الكلية بهدف مجاوزة الحدود المرسومة سلفا باستثمار أدوات التفكير النقدي المعاصر ، وقد سار الباحث على وفق ما تقتضيه تلك الآليات فكان العمل في مفاصل هذه الأطروحة يبدأ بقراءة النصوص النقدية (الخطابات) قراءة مزدوجة تهدف في خطوتها الأولى الى الكشف عن المعاني الصريحة في تلك النصوص , اما الخطوة الأخرى من القراءة فإنها تسعى الى تحليل تلك النصوص للوقوف على عيوبها النسقية وتعرية وسائل عملها والكشف عن تناقضاتها الداخلية وعما سكتت عنه , وليس الغرض من ذلك إيجاد بديل نقدي فالقراءة المتبعة هنا لا تسعى الى تفنيد طروحات نقدية وتمجيد غيرها بل أن عملها الأساس يتمثل في السعي الى تفكيك الخطاب النقدي بحيادية ، وبهذا تحاول هذه الدراسة أن تنأى بنفسها عن الانحياز لطرف دون آخر . وبذلك يمكن القول أن منهج البحث في هذه الأطروحة يتمثل في مجموعة الخطوات الإجرائية المستندة الى عدد من المفاهيم والتصورات التي تمليها مادة البحث نفسه ، لا الى تصورات مسبقة وإن كانت البراءة المنهجية أمرا قد يكون محالاً .

   وهذه الأطروحة تمثل محاولة للاشتغال في ميدان نقد النقد، والجهد المبذول فيها يمثل قراءة لنصوص نقدية اختصت بدراسة الشعر العربي – القديم والحديث- أما اختيار موضوع الأطروحة فينهض على عاملين اثنين: الأول يتمثل في رغبة الباحث في العمل في ميدان نقد النقد , أما العامل الآخر فيتمثل في قلة الدراسات في هذا الحقل ، وعدم تقديمها رؤية شاملة لإشكاليات النقد العربي واختصاص أكثرها بدراسة إشكالية واحدة من تلك الإشكاليات([1])، واشتغال بعضها على مساحة زمنية واسعة مما افقدها التركيز والدقة في الأحكام([2])، لذلك سعت هذه الأطروحة أن توازن بين الأمرين؛ أن تكون شاملة لأكثر الإشكاليات حضورا في النقد العربي فضلا عن سعيها في التأكيد على مفصل زمني مهم من مفاصل ذلك النقد , واقتصارها على جنس أدبي واحد.

   فقد وجد الباحث أن ثمة إشكاليات بارزة كونت بمجموعها ملمحاً بارزاً من ملامح النقد العربي في المرحلة موضع الدراسة لا يمكن ان تفهم ما لم تدرس مجتمعة ثم إنها لم تحظ إلى الآن بدراسة أكاديمية مستقلة ، هذه الإشكاليات تتمثل في : المثاقفة النقدية , والمنهج النقدي , والإجراء , وتتفرع إلى إشكاليات أدق منها : (الترجمة ، والمصطلح ، والانتقائية ، وغياب المنهجية ، والخلط المنهجي ، والتعميم ، والنزعة الإيديولوجية ، وتغليب التنظير ، والغموض ….) لذلك حاول الباحث حصر تلك الإشكاليات في ثلاثة فصول تتضمن سبعة مباحث تبعاً لتشابهها وما تتفرع عنه من إشكاليات جزئية .

     من هذا المنطلق قامت هذه الأطروحة على ثلاثة فصول سبقها تمهيد وأعقبتها خاتمة ، كان التمهيد إلمامة مكثفة بالمفاهيم الاولية التي تمثل محور البحث في هذه الاطروحة : (الإشكالية ، والخطاب النقدي الغربي … الاصول والمقولات ، والخطاب النقدي العربي المعاصر ) وقد روعي في عرضها الجانب التاريخي أما الفصل الأول فقد قام على معالجة إشكالية المثاقفة فكان في مبحثين أولهما في إشكاليات المتن النقدي المترجم فيما كان المبحث الآخر في إشكاليات المصطلح النقدي .

     أما الفصل الثاني فقد تكفل بدراسة إشكالية المنهج النقدي وكان في ثلاثة مباحث عرض من خلالها قضايا الغياب المنهجي , وقضايا الاجتهاد النقدي , والأحكام النقدية .

   أما الفصل الثالث فقام على دراسة إشكالية الإجراء النقدي وكان في مبحثين تكفلا بدراسة سيادة التنظير على الممارسة وقضية غموض اللغة النقدية وغموض المفاهيم المستعملة في المتن النقدي العربي .

   وكانت الخاتمة ملخصا لأهم النقاط التي برَّزتها الأطروحة ، وقد أشفعت هذه الأطروحة بملحق في تراجم رواد النقد المعاصر العرب والأجانب وجده الباحث ضروريا للتعريف بهؤلاء النقاد .

   أما مصادر الأطروحة فقد سعى الباحث لأن تكون شاملة لموضوعها وانقسمت على مجاميع من كتب النقد والترجمة وعلم المصطلح ونظرية الثقافة فضلا على الكتب ذات الصلة ، سواء كانت فلسفية أو غيرها .

     وثمة مشاكل واجهت الباحث في عمله هذا أهمها اتساع مساحة اشتغال هذه الأطروحة وتداخل مفاصلها لكن هذه المشكلة ذللت أمام متعة البحث ولذة الاكتشاف.

   ومن دواعي الاعتراف لأصحاب الفضل لا يسعني إلاّ أن أتقدّم بعظيم شكري        وامتناني إلى الأستاذ الدكتور عبود جودي الحلي ؛ لرعايته العلميّة , وصبره الكبير. وهذا معهود فيه ، إذ عُرِف بكرم الخلق ، وحسن التواضع، فجزاه الله عنّي أوفى الجزاء وأحسنه .

     وفي نهاية هذه المقدمة لابد من توجيه الشكر إلى الأصدقاء الذين كانوا حريصين في متابعة مراحل العمل وقد بذل الباحث جهدا كبيراً في هذه الأطروحة مستعينا بالله وبموقف الأفاضل من الأساتذة والأصدقاء ، فحسنات هذه الأطروحة تعود لهم أما سلبياتها فهي على الباحث وحده والحمد لله أولا وأخيرا .

 

 

 

علي

 


([1]) مثل : إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي ، قديمه وحديثه ،(اطروحة دكتوراه) محمد غانم

   شريف ، إشراف ا.م.د إبراهيم محمد محمود الحمداني ، كلية التربية ، جامعة الموصل ، 2011 .

([2]) مثل : الخطاب النقدي العربي المعاصر وعلاقته بمناهج النقد الغربي ـ دراسة مقارنة (أطروحة

   دكتوراه)، هيام عبد زيد عطية عريعر ، إشراف.ا.م .د سلام كاظم الأوسي ، كلية الآداب ، جامعة

   القادسية ، 2007 .