اسراء نـجم عبدالرضا عبدالحسين

المقدمــــة

          الحمد لله الذي أوضح عن دينه القويم بأئمة الهدى من أهل بيت النبوة ، وأبلج بأنوار آثارهم عن الصراط المستقيم والصلاة والسلام على نبيه هادي الأمة وإمام الأئمة وعلى آله الأنوار المضيئة وبدور الليالي المدلهمة .

          نظراً لأهمية العمل والمال في حياة الإنسان قديماً وحديثاً أولى الدين الإسلامي الجانب الأقتصادي أهتماماً يوازي اهميته في المجتمع ، فوضع الأحكام ، والتشريعات والشروط والضوابط المحكمة والمتقنة التي تميزت بتحقيق الفائدة الاقتصادية مع تحقيق مصلحة المجتمع وزيادة تماسكه ، وإبعادهِ عن الأنانية ، وحب الذات وأيضاً تميزت هذه الأحكام بأنها تشرع على أسس علمية وللمصلحة العامة واْثبات ديمومة التعامل بها وأنها لم تكن وقتية أو آنية أو لفئة معينة وأنما للدوام وللكل فأثبت النهج الذي أوجده الرسول (ص() في المدينة المنورة نجاحهِ وفاعليته ، عندما طبق بفروعهِ وأصوله ، فقضى على الفقر ، والعوز المادي في المجتمع المدني إلى حد كبير وفي الوقت نفسه غرس الإيثار ، ونكران الذات ، وبذل ما في الوسع من أجل التعاون وإزالة الطبقية المتعالية المتسلطة على الناس.

          إن الأحكام والشروط في نهج الاقتصادي الإسلامي جاءت ضمن مصدرين أساسيين من مصادر التشريع الإسلامي ، هما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة المتمثلة بأحاديث الرسول محمد (() التي جاءت عن طريق كتب الحديث من الصحاح والسنن ، والمسانيد ، ومن ضمنها مسانيد الأئمة الخمسة الأمام جعفر الصادق (8) ( ت 148هـ /765م) ، والإمام أبو حنيفة النعمان ( ت 150هـ /767م) ، والإمام مالك بن أنس ( ت 179هـ /795م) ، والإمام الشافعي ( ت 204هـ /819م) ، والإمام أحمد بن حنبل (ت 241هـ /855م) ، وهذه المسانيد تعد من كتب الحديث المهمة والشاملة لأنها تضم الأغلب والأعم من الأحاديث ، ومنها أحاديث ذات مضامين اقتصادية أوضحت الأحكام والتشريعات الاقتصادية وبينت طرق التعامل التجاري والمالي الذي كان سائداً في عصر الرسول الكريم (() .

          وأهم ما تميزت به كتب مسانيد الأئمة الخمسة هو احتواؤها على الآلاف من الأحاديث المروية بطرق متعددة .

          اما النهج الذي أتبعناه فهو، ذكر الحديث المتفق على صحته في المتن الذي يشير إلى قضايا تجارية ومالية ثم الاشارة في الهامش الى جميع كتب أصحاب المسانيد الخمسة التي ورد لديهم الحديث ، ثم تخريجها أو مقارنتها مع كتب الحديث الأخرى ، وتم تصنيف الروايات حسب موضوع المعاملات الحرفية والتجارية .

          كما وجدنا انه من المفيد ان نقارن بين آراء الفقهاء ولاسيما أئمة المذاهب في بعض المسائل مع ذكر الجانب النظري من كتب الفقه ، وتضمن ذلك عرض الآراء ومناقشة بعضها مع التركيز على ما جاء في مسانيد الأئمة الخمسة وعلى آراء الإمام جعفر الصادق (8) وإن الأحاديث التي وردت عن الإمام الصادق هي عينها أحاديث الرسول في الأحكام والتشريعات ، لأن علم النبي (() وعلم الإمام المعصوم من الله تبارك وتعالى .

          وقد توخينا الاختصار كثيراً ، خوفا من الإطالة مع الالتزام بمنهج البحث العلمي التاريخي الأكاديمي .

          أما الدافع الذي حفزني إلى دراسة هذا الموضوع ، رغبتي بدراسة حديث وكلام سيد الأنام أبي القاسم محمد (() ولاسيما أن هذه الأحاديث جميعها وردت في كتب أصحاب المسانيد الخمسة الذين يحضون بثقة واحترام المسلمين .

          أما عن اختيار موضوع دراسة جانب المعاملات الحرفية والتجارية في المدينة المنورة زمن النبي (() دراسة في مسانيد الأئمة الخمسة ، فيعود الفضل في اختيار هذا الموضوع للأستاذ الدكتور زمان عبيد وناس ،وكان ذلك استجابة لرغبتي في دراسة تاريخ الاقتصاد الإسلامي ضمن كتب الحديث .

أما الصعوبات التي واجهتنا فتمثلت بتشعب الموضوع وسعته في كتب الحديث ، وكتب الفقه فضلاً عن كتب التاريخ ، وكل ذلك يحتاج إلى سعة إطلاع ومعرفة ودراية ليتمكن الباحث من الإحاطة به والوصول إلى مبتغاه .


                                                                                                                نطاق البحث :

تكونت هذه الرسالة من ثلاثة فصول تسبقها مقدمة وتمهيد ثم تلي الفصول خاتمة و ملاحق وقائمة المصادر والمراجع وملخص موجز عن الرسالة باللغة الإنكليزية.

          تطرقنا في التمهيد إلى تسمية المدينة المنورة وموقعها الجغرافي وتضاريسها وتركيبها سكاني قبل الهجرة النبوية الشريفة ،إذ تناولنا في الفصل الأول سيرة الأئمة الخمسة أصحاب المسانيد و الأوضاع السياسية والاجتماعية والفكرية في عصرهم ، وقد أشتمل على ثلاثة مباحث ، المبحث الأول سيرة الأئمة الخمسة أصحاب المسانيد ، ومنهجيتهم في الكتابة، وخصصنا المبحث الثاني لدراسة الأوضاع السياسية والاجتماعية خلال عصرهم متمثلة بسقوط الخلافة الاموية وقيام الخلافة العباسية ، مشيرين الى بعض الثورات التي حدثت ضد هاتين الخلافتين خلال الحقبة الزمنية التي تناولتها هذه الدراسة .

          وأفردنا المبحث الثالث الى مسانيد الائمة الخمسة واشرنا الى أبرز الحركات الفكرية خلال عصر الأئمة الخمسة ، وذلك لعلاقتها الوثيقة بتدوين المسانيد ونشوء المذاهب الإسلامية .

          اما الفصل الثاني الموسوم الحرف في المدينة المنورة، فجعلناه اربعة مباحث : تناولنا في المبحث الأول ، مفهوم الحرف موضحين معناها اللغوي والاصطلاحي ، أما المبحث الثاني تناولنا فيه الصناعات الحرفية في المدينة المنورة زمن الرسول (() ، وخصص المبحث الثالث للحرف المعاشية التي مارسها أهل المدينة المنورة من أجل تحسين أوضاعهم من خلال العمل والكسب الحلال وفق النهج الاقتصادي الإسلامي الذي أوجده الرسول محمد (() في دولته الفتية ثم ذكرنا الحرف التي حرمها الإسلام لأنها تسبب ضرراً على المجتمع الاسلامي.

          وتطرقنا في المبحث الرابع للاوضاع العامة للحرفيين ونظرة المجتمع المدني لهم ، و دور دولة الرسول (() في تنظيم شؤون الحرفيين ومراقبتهم .

أما الفصل الثالث الذي تحت عنوان المعاملات التجارية في مسانيد الائمة الخمسة ،فتناولنا فيه المعاملات الاقتصادية والتجارية التي وردت في مسانيد الأئمة الخمسة وقسم الفصل إلى أربعة مباحث ، تضمن المبحث الأول: اهمية المدينة التجارية واسواقها ، اما المبحث الثاني: البيوع المباحة في مسانيد الأئمة الخمسة ، وخصص المبحث الثالث للبيوع المنهي عنها في مسانيد الأئمة الخمسة .

          أما المبحث الرابع ، فتناولنا فيه المعاملات التجارية على الصرف والقروض ، والشركة ، والرهن ، والربا على وفق ما جاء في مسانيد الأئمة الخمسة .

       وغاية ما أتمناه أن أكون قد وفيت البحث حقه ، وأن يكون أسهم في أضاءة جانب من جوانب حضارتنا العربية الأسلامية ، راجية أن يكون على جانب كبير من القبول لدى قارئيه ،غافرين لنا غفلتنا وسهونا وما الكمال إلا لله جل وعلا ، وأرجو أن يتقبل الله تعالى هذا الجهد خالصاً لوجهه الكريم ، والله ولي التوفيق.

عرض المصادر والمراجع :

          اعتمدنا في انجاز هذه الدراسة على عدة مصادر ومراجع متنوعة منها:

أولاً : القرآن الكريم وكتب التفسير :

          أوردنا آيات قرآنية كثيرة لتأكيد العديد من الأحكام والمسائل والآراء وردت في سياق دراستنا ولتوضيح مضمون هذه الآيات وتفسيرها اعتمدنا على بعض كتب التفسير ومن أهمها كتاب ( جامع البيان في تأويل آي القرآن) للطبري ( ت 310هـ) ، الذي يعد من الكتب المهمة لأنه يحتوي على أراء عديدة في تفسير الآيات الكريمة ، وكتاب ( التبيان في تفسير القرآن) للطوسي ( ت 460هـ) ، الذي تميز بمنهجه الواضح السهل في اعطاء المعلومات ، وكتاب      ( تفسير القرآن العظيم) لأبن كثير ( ت 774هـ) .

ثانياً : كتب الحديث :

          فضلاً عن اعتمادنا الرئيس على كتب مسانيد الأئمة الخمسة إلا إننا استفدنا من كتب الحديث الأخرى كالصحاح والسنن وغيرها ، فكانت ذات فائدة كبيرة في دعم البحث وتقوية صحة الأحاديث من أبرزها كتاب ( صحيح البخاري) للبخاري ( ت 256هـ) ، وكتاب (صحيح مسلم) ، لمسلم بن الحجاج القشيري ( ت 261هـ) ، واستفدنا من كتب السنن منها: ( سنن إبن ماجة) ، لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ( ت 275هـ) ، ( سنن الترمذي) لأبي عيسى محمد أبن عيسى ( ت 279هـ) .

ثالثاً : كتب الفقه :

          تميزت كتب الفقه بأنها ذات مادة غزيرة وأساسية أمدت البحث بمعلومات قيمة ، أعتمدنا عليها للدلالة على مشروعية مسائل وأحكام المعاملات ضمن النهج الاقتصادي الإسلامي ، وفي مقدمتها كتاب المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس ( ت 179هـ) ، الذي يشكل أهم الكتب الفقهية في مذهب الإمام مالك إذاستفدنا منه كثيراً في معرفة رأي الإمام مالك في مختلف المعاملات الاقتصادية ومقارنتها مع المذاهب الأخرى ، وكتاب الأم         للشافعي ( ت 204هـ) إن هذا الكتاب ذو منهج واضح إذ يأتي بالدليل ثم يورد أراء العلماء ثم يناقش ذلك بإفاضة وتمعن .وأستفدت من كتاب ( المبسوط) للسرخسي ( ت 483هـ) ، وهو من كتب المذهب الحنفي المهمة.

كما أستفدت كثيراً من كتاب ( المغني) لأبن قدامة ( ت 620هـ) ، الذي أورد آراء الإمام أحمد بن حنبل ومقارنته بآراء العلماء الآخرين ، وكتاب ( المجموع) للنووي ( ت 676هـ) ، وهو من كتب المذهب الشافعي .

رابعاً : كتب التاريخ :

أن كتب التاريخ من المصادر الرئيسة في انجاز هذه الدراسة إذ إنها عززت الرسالة بالشواهد الاقتصادية التي كانت متداولة ومعروفة في المدة التي تناولها البحث ، ومن هذه المصادر كتاب (سيرة بن اسحاق) لإبن أسحاق ( ت 151هـ) ، وكتاب تاريخ اليعقوبي لأحمد بن أبي يعقوب ( ت 284هـ) ) وكتاب ( فتوح البلدان) للبلاذري ( ت 279هـ) ، الذي تميز بذكر حوادث تاريخية متعددة اذ عزز البحث بالشواهد التاريخية المهمة ذات علاقة بالموضوع وأستفدت منه في معرفة أنواع النقود وأوزانها وتعريف العديد من المصطلحات الاقتصادية .

          ويتميز كتاب (تاريخ الرسل والملوك) للطبري ( ت 310هـ) ، بغزارة المعلومات التاريخية التي لا غنى عنها في معرفة سيرة الأئمة الخمسة والمحن التي تعرضوا لها من قبل خلفاء بني أمية وبني العباس ، ولا يقل أهمية كتاب ( الكامل في التاريخ ) لأبن الأثير    ( ت 630هـ) ،بما اورده من معلومات قيمة .

خامساً : كتب التراجم :

          تميزت كتب التراجم المستخدمة في موضوع البحث بالكثرة والتنوع والتعدد نظراً لكثرة الشخصيات الواردة في الموضوع ابتداء من الإمام جعفر الصادق (8) وتلاميذه من أئمة المذاهب الأربعة ثم طبيعة الروايات الواردة في مسانيد الأئمة الخمسة ولاسيما الصحابة الذين رووا أحاديث الرسول (() ومعظم تلك الشخصيات التي ورد ذكرها في سياق الرسالة احتجت إلى ترجمتها فكثرت وتنوعت كتب التراجم وفي مقدمتها :

   كتاب ( الطبقات الكبرى ) لإبن سعد ( ت 230هـ) ، الذي عزز البحث في ترجمة العديد من الشخصيات اذ أورد معلومات قيمة ومهمة ولاسيما في مجال حياتهم وحرفهم .

          وكتاب ( تاريخ بغداد) للخطيب البغدادي ( ت 463هـ) ، وكتاب ( الإستيعاب في معرفة الأصحاب) لإبن عبد البر ( ت 463هـ) ، وكتاب ( سير أعلام النبلاء) ، للذهبي ( ت 748هـ) ، الذي يعد موسوعة التراجم إذ إنه بدأ منذ عصر النبي (()ثم ذكر عن الصحابة والأتباع والمحدثين والفقهاء والأدباء وغيرهم الكثير .

          أما كتاب ( الإصابة في تمييز الصحابة) و ( تقريب التهذيب ) لأبن حجر ( ت 852هـ) ، فكانا ذوا فائدة كبيرة في ترجمة حياة العديد من الشخصيات المهمة .

سادساً : كتب اللغة :

          تطلب البحث توضيح بعض الكلمات و المصطلحات ومعرفة معانيها واشتقاقاتها ، ولاسيما الغريب منها ، واسعفتنا في ذلك العديد من كتب اللغة تأتي في مقدمتها كتاب      ( العين) للفراهيدي ( ت 175هـ) ، وكتاب ( الصحاح) للجوهري ( ت 393هـ) ، وكتاب ( مختار الصحاح) للرازي ( ت 666هـ) ، وكتاب ( لسان العرب) لإبن منظور ( ت 711هـ) .

 

 

سابعاً : كتب الجغرافية :

   أعتمدنا أيضاً على كتب الجغرافية التي تصف البلدان والأقاليم ، ولمعرفة المواقع الجغرافية التي وردت في سياق الدراسة وأهم هذه الكتب ، كتاب ( معجم ما ٍأستعجم من أسماء البلاد والمواقع ) للبكري ( ت 487هـ) ، وكتاب ( معجم البلدان) لياقوت الحموي ( ت 626هـ) ، وهو من المصادر الجغرافية المهمة التي أعتمدنا عليها في جميع فصول الرسالة .

المراجع :

كان للمراجع اهمية كبيرة ايضا اذ افادتنا في الوقف على بعض الآراء ومناقشتها كذلك في الرجوع الى مصادر واستقاء المعلومات منها مباشرة فكانت بمثابة الموجه والمرشد في بعض الاحيان لتقصي الحقائق وتدقيق المعلومات من مصادرها الاصلية واهم هذه الكتب :

عبد الحميد الجندي (حياة الامام الصادق عليه السلام )، محمد ابو زهرة (في دراسة مسانيد الائمة الخمسة )، الزركلي (كتاب الاعلام )، الزبيدي (تاج العروس )،السيد سابق (فقه السنة).