زينب حسن ناجي الحُسيني

 

المقدمة


الحمدُ لِلّه الأوّلِ بلا أَوّلٍ كان قَبلَهُ, والآخِر بلا آخرٍ يكونُ بَعْدَهُ الذي قَصُرتْ عن رؤيتهِ أبصارُ الناظرين, وعجزتْ عن نعْتهِ أَوْهام الواصفين,حَمْداً يرتفِعُ منّا إلى أعلى علّيين والصَّلاة والسَّلامُ على الدَّليل إليه في الليل الأليل, والثابت القدم على زحاليفها في الزمن الأول المبعوث هادياً ومُبشّراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً مُنيراً أبي القاسم محمد (صلوات الله وسلامه عليه ), وعلى آل بيته الطيبين الأبرار وصحبه الغُرّ الميامين.

أَمَّا بعْدُ…

فلا يخفى على أحد أنَّ القرآنَ الكريم اسمٌ لكلام الله القويّ الغالب أنزله على رسولهِ وخير خلقه محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم) مُعْجِزاً يتحدَّى ببلاغته ومعناه البشر كافة على اختلافِ ألسنتهم وأوطانهم وأزمانهم ورسالة خاتمةً ممتدةً إلى يومِ القيامة وقد حفظ اللهُ (عزّوجل) القرآنَ الكريم من كُل تغيير وصانَ قدسيته وجمال إسلوبه وعُلوّ بلاغته وصحّة تواتره من عبثِ العابثين وكيدِ الكائدين ودسائس المنكرين وإفساد المارقين .وذلك بأن يُهيء سبحانه له في كُل زمان وعلى توالي الأجيال والقرون, أُمّة من الناسِ يعكفُون على دراستهِ, وإتقان قراءته لما فيه من الأحكام الناصعة والحِكَم النافعة، ويجعلون دَيْدنَهم وشغلهم الشاغلِ فَهْمَ معؤانيه وشرحها للناسِ وهدايتهم إليها وجمعهم حَوْلها, موصولة بالسندِ الثابت والرواية الصحيحة, مَحْكُومة بقواعدِ اللسان العربي وبلاغة بيانه (1).

لذا انبرى أئِمة اللغة وعلماؤها لقرائته وتفسيرِه والتأليف في علومِه على مختلفِ مستويات اللغة العربيةَ من(صوت، وصرف،ونحو، ودلالة ), ولأنّه مَنْبَعٌ غزيرٌ أثْرت به اللغة فسَعَوْا جادين في البحثِ فيه ينهلُون من مناهلِه مُوقنين أنّها أسانيد قويّةَ لإثباتِ آرائهم وقواعدهم, لأنّه كلامٌ لاينالُه الخلل ولا تُجافيه السّلامة, وستبقى رحلة البحث عن كنوزِه وجواهرِه لا يَحدّها زمان ولا مكان.

فَسُجّلَتْ جُهوَدهم في كُتبِهم وتفاسيرِهم سواء أكانت تصريحاً أم تلميحاً وسَجّلَها المعجميون في معجماتهم, فكان لِزاماً علينا أن نُقَدّر ونُعَظّم هذه الجهود لعلمائنا؛لأنّها نتاج عبقريتهم وفيها مادة ثرّةٌ وغنيّة في ميدانِ الدرس اللغوي ولاسيَّما الدرسان الصوتي والصرفي .

لذا فنحنُ بأمسِ الحاجة إلى البحثِ والتفحُّص في المأثورِ القديم لآراءِ علمائنا لكشفِ النّقاب عن جهودهِم العلمّية.وعندما كُنتُ أتصفّح مُعجمات اللغة العربيّة لتقصّي المعنى المعجمي أو اللغوي لمفردةِ ما في كتابةِ بحث ما في السنةِ التحضيرية كُنتٌ ألمَحُ هذه الآراء لعلمائِنا مبثوثة هنا وهناك في بطون المعجمات وكانت هذه الآراء أغلبها تنصَبُّ على آيات القرآن الكريم, ولاسيَّما أنَّ المُعجمَ هو أداةٌ من أدواتِ الثقافة, والمرآة التي تُعبّر عن مستوى الإرتقاء الثقافي في مجتمع ما,و كُلّما كانَ المعجمُ غنِيّاً بمعلومات قيّمة وآراء وأقوال سديدة لعلماء أجِلَّاء،     وفيه مافيه من النظامِ والمنهجية والدّقة أعطى صورةً مشرقةُ لثقافةِ المجتمع وتراثه. فلذلك حَرَصْتُ مُنذ البدء جاهدةً باختيارِ موضوع لدراسة الماجستير على أنْ يكون شديد الاتصال بكتاب الله تعالى (القرآن الكريم ) ودراسة آياته دراسة صوتيّة وصرفيّة عند أحد العلماء العرب في هذين المستويين(الصوتي والصرفي) في معجمٍ من المعاجمِ العربية 0

وبعد بحث طويل آثرت البحث في موضوع كهذا,أشارَعليَّ الأُستاذ الدكتور سعدون أحمد الربعيّ, بمساعدة الأستاذ المساعد الدكتور خالد عباس السيّاب بهذا الموضوع (الدَّراسات الصَّوتيّة والصَّرفيّة في نُقولِ ابن منظور في(لسان العرب) عن أبي إسحاق الزَّجَّاج), فاستحسنتُ الموضوع ثُمَّ عرضتهُ على أساتذتي في قسم اللغة العربية فأبدوا اسْتحسانهم وتأييدهم وقبولهم له.

وَبَعْدَ توكلي على الله تعالى عَقَدْتُ العزمَ على البحثِ فيه فشرعتُ أعمل وقُمْتُ بالتنقيبِ عن هذه النقول لأبي إسحاق الزَّجَّاج واستقيتها من معجمِ لسان العرب (لابن منظور), وبعد إكمال جمع هذه النقول قمتُ بانتقاء المادة الصَّوتيّة والصَّرفيّة من هذه المادة التي جمعتها فوجدتُها وافيةً لموضوعِ الدّراسة وعلى الرغم من سعةِ النقول الكثيرة آثرتُ البحث في موضوع كهذا0

بعدها وضعتُ الخُطةَ الأوّلية لموضوعِ الدراسة وعرضتهاعلى أُسْتاذِي المشرف على رسالتي الأُستاذ المساعد الدكتور محمد حسين علي زعين إذ أثنى عليها وأبدى توجيهاته وآراءه بصددها.وقد اقتضت طبيعة الموضوع والمادة التي توافَرَتْ لديَّ أنْ يكون البحث على تمهيد وبابين احتوى كُلّ باب منهما على ثلاثةِ فصولٍ ثُمَّ خاتمة للموضوع وملخص باللغة الانكليزية.

فأمَّا التمهيد: فقد تناولتُ فيه شخصية الزَّجَّاج العلميّة ومنهجه في الدراساتِ الصَّوتيّة والصَّرفيّة, وعَرّجْتُ فيه على بعض السّمات الخاصة بهذه الشخصية فيما يتعلّق بحياتِه, ومذهبه في النحو, ومنهجيّته في عرضِ المادة العلميّة,وتفرّدة ببعض الآراء,وسِمَة التأثر والتأثير من حيث تأثر الزَّجَّاج بالعلماءِ السابقين,وتأثيره في العلماءِ اللاحقين, مع ذكر أمثلة لكلا التأثيرين من حيث القبول والمخالفة,فضلاً على أثرِه في بعضِ المعجمات العربية وصدى أقواله في مصنفاتِ الآخرين.وأمَّا فيما يتعلق بالبابين, فالباب الاول : تضمّن دراسة الظواهر الصَّوتية وقد احتوى على ثلاثة فصول .

جاء الفصل الأوّل لدراسة (ظاهرة الهمز) والحديث عن هذه الظاهرة من حيث: مفهوم الهمز, وأحوال الهمزة وهي ثلاثة منها:تحقيق الهمزة,وتخفيف الهمزة الذي يتم بطريقين هما:(الحذف,وإبدالها بأحد أصوات المد واللين), وتسهيل الهمزة بَيْنَ بَيْنَ,فضلاً عن همز مالا يهمز.

وأمَّا الفصل الثاني فقد حَمَل عنوان (ظاهرة الإبدال),إذ قامت الدّراسة في هذا الفصل بعد التوطئة( مفهوم الإبدال, أسبابه, أنواعه),على مبحثين :

المبحث الأوّل : الإبدال بين الأصوات ( الصَّوامت ).

المبحث الثاني : الإبدال بين الحركات ( الصَّوائت ).

فدرستُ في المبحث الأوّل الإبدال بين الأصوات المتدانِية في المخرج, والمتجاورة في المخرج, والإبدال بين الأصوات المتباعِدة المخارج وليس بينهما جامع صوتي وأمَّا المبحث الثاني فقد عُقِد لدراسة الإبدال بين الحركات أي   (الصَّوائت) وشَمِلَ الإبدال بين الفتح والضم, وبين الضم والكسر, وبين الفتح والكسر,وبين الضم والفتح والكسر (الحركات الثلاث), والإبدال في أسماءِ الأفعال. مع ملحق خاص بالتبادلِ بين الصَّوائت على شكلِ مخطط في المبحث الثاني.وخصَّصتُ الفصل الثالث لدراسة(ظاهرة الإدغام) من حيث: (مفهومُه, وأسبابُه, وغايتُه, وأنواعُه) إذ شَمِلتْ أنواعه : إدغام المتماثلين, وإدغام المتجانسين, وإدغام المتقاربين.

أما الباب الثاني فقد تضمّن الظواهر الصَّرفيّة, واندرج تحته ثلاثةِ فصول: جاء الفصل الأوّل للحديثِ عن ظاهرةِ ( الإعلال ) من حيث: مفهومه, وفائدته, وأسبابه, مع توضيح الفرق بين ظاهرتي الإعلال والإبدال إذ الإبدال أعمُّ من الإعلال,ولايخضع في الغالبِ للقياسِ بل يَحْكُمهُ السّماع,بعدها عرّجتُ على أنواعه (الإعلال بالقلب, وبالنقل, وبالحذف).وقد ورد ضمن النقول فيما يتعلّق بالإعلال بالحذف الحذف غير القياسي فقط.

وأمَّا الفصل الثاني فقد حملَ عنوان(أبنية الجموع) الذي تمثّلَت مادته في معرِفة معنى الجمع, وأقسام الجموع (جمع المذكر السالم – جمع المؤنث السالم – جمع التكسير). والأخير أقسامه هي:

قِسمٌ يَدِلُ على جموع القلَّة, وقِسمٌ يدلُّ على جموع الكثرة, ثم تحدّثت عن جمع الجمع، وفي نهاية الفصل جعلتُ مُلحقاً خاصاً بالجمع.

أمّا الفصل الثالث فقد خُصَّص بدراسة ( أَبْنِية المصادر والمشتقات ) وجاء على مبحثين :

المبحث الأوّل : أَبْنِية المصادر.وتمَّ الحديث فيه عن بيانِ معنى البناء لُغةً واصطلاحاً مع التعريف بالمصادرِ  (القياسيّة والسماعيّة, والصناعيّة ) والأخيرة لم ترد ضمن نقول ابن منظور. بعدها تطرقتُ إلى مصادرِ الفعل الثلاثي المجرد ( القياسيّة ) وهي : ( فَعْل – فُعُول – فِعَالهَ – مُفاعَلَهَ )، وكذلك المصادر السَّماعيّة وهي 🙁 فَعِل – فِعَل – فُعُل – فُعْل – فِعْل – فَعَال –فِعال – فُعالَة – فَعُول ).

ومن ثُمَّ تحدّثتُ عن المصادرِ السّماعيّة على زنةِ اسم الفاعل, وما جاء على زنة اسم المفعول, ومصادر الافعال الثلاثية المزيدة بحرف واحد( تفعيل),ومصادر الفعل الرباعي ( فَعْلَلَ ), وكذلك شَملَ هذا الفصل المصدر الميمي من حيث صياغته, ومناقشة صيغتي ( مَفْعَل – مَفْعِل ) مع وضع ملحق بالمصادر في نهايةِ الفصل.

وأمَّا المبحث الثاني فَقد عُقِدَ لدراسة المشتقات,إذ تحدَّثتُ فيه بعد التوطئة,عن اسم الفاعل, ومجيء اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول وصيغ المبالغة لاسم الفاعل, والفرق بين اسم الفاعل والصفة المشبّهة ثم اسمي الزمان والمكان, ومصدر المرّة, واسم الآلة.

وأمَّاالخاتمة فقد أثبتُ فيها أهم النتائج التي توصّلَ إليها البحث0ويمكن هنا أن نقول:إنَّ الدراسة تتبع منهجاً وصفياً0وقداستمدّ البحثُ مادته العلميّة من مجموعة من المصادرِ والمراجع التي ثبت مظانها في الرسالةِ, وهي مُتنوعة بين كُتب اللغة والنحو الصرف والصوت, والمعجمات والتراجم, وكُتب معاني القرآن, وكُتب القراءات, وكُتب التفاسير,وغيرها. نذكر منها :

كتاب (العين)للخليل بن أحمد الفراهيدي (ت175هـ)،و(الكتاب) لسيبويه(180هـ),و(معاني القرآن)للفرّاء(ت 207ه)،و(المقتضب) للمبرّد(ت 285ه)،و(معاني القرآن وإعرابه)لأبي إسحاق الزَّجَّاج(ت 311ه)،و(السبعة في القراءات)لابن مجاهد(ت324ه)،و(الحُجة في القراءات السبع)لابن خالويه(ت370ه)،و(سر صناعة الإعراب) لابن جنيِّ( ت392هـ),و(الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها)لمكي بن أبي طالب القيسي(ت 437ه)،و(شرح المفصَّل) لابن يعيش( ت643هـ ),و( شرح الشافية) للرضي الاستراباذي (ت686هـ) 0

وأفادت الباحثة من كُتب المحدثين ومنها : كتاب(الأصوات اللغوية) للدكتور إبراهيم أنيس,و(كتاب المنهج الصوتي للبنية العربية) للدكتور عبدالصبور شاهين, و(أبنية الصّرف في كتاب سيبويه) للدكتورة خديجة الحديثي, و(الدّراسات الصوتية عند علماء التجويد) للدكتور غانم قدوري الحمد,و(القراءات القرآنية بين الدرس الصوتي القديم والحديث)للدكتورة مي فاضل الجبوري،و(التعليل الصّوتي عند العرب في ضوء علم الصوت الحديث قراءة في كتاب سيبويه) للدكتور عادل نذير بيري,و(الصرف الواضح) للدكتور عبدالجبار علوان النايلة.

– وأخيراً – أقول : ما من عملٍ نعمله إلّا وترافقه بعض الصعوبات إذ واجهت الباحثة في إنجازِ بحثها بعض الصعوبات التي يُواجهها كُل باحث منذ بداية إنجازه العلمي للبحث وحتى نهايته فقد بَذلتُ جُهداً كبيراً في البحث والكشف عن هذه النقول لأبي إسحاق الزَّجَّاج ،في معجم كبير كـ ( لسان العرب ) فهو يشملُ على مادةٍ علميّة واسعة لمستوياتِ اللغة العربية كافة ولكن ما يُذللُ هذه الصعوبات هو التعاون القائم بين الباحث والأستاذ المشرف, وبين الباحث وغيره من الأساتذة المختصين والمشجعين لإنجاز عمل الباحث وتقديم كُل العونِ له .

فأرجو أنْ أكون قد قدّمتُ الفائدة فيما عزمتُ عليه, وأسأل الله أنْ يتقبّل مني هذا العمل القليل المتواضع, فإن أصبتُ فذلك من فضلِ الله وكرمه وتوفيقه, وإنْ كانت الأُخرى, فحسبي أنّي من البشر,لأنّ الكمال لله تعالى وآمل أنْ يغفر لي كُل ما لا يُرضيه0والحمدُ لله ربَّ العالمين0والصَّلاة والسَّلام على سيّد المرسلين, وأفضل الخلق أجمعين نَبينا محمد بن عبدالله وعلى آله الطيبين الطاهرين, وصحبه المنتجبين إلى يوم الدِّين.

 

الباحثة