زينب هادي معيوف الشريفي

 

المستخلص

 

مع ظهور العولمة وازدياد حدة المنافسة بين المنظمات بصورة كبيرة، شهد العالم تغيراً جذريا وغير مسبوق في علاقات العمل فرضه التغيير المتواصل في بيئة الاعمال، إذ ادركت المنظمات في الآونة الاخيرة ان سر ديمومة نجاحها يكمن في الاهتمام والمحافظة على المورد البشري فيها، فأهمية الأفراد تأتي بالمرتبة الاولى من بين جميع الموارد الاخرى في المنظمات فهم من يمتلكون القدرات العقلية والشعورية التي تسٌير عملها، وما المنظمات إلاّ هياكل فارغة بدون وجود العنصر البشري.

في ظل هذه التغييرات توجهت المنظمات نحو إعادة هيكلة جذرية لعلاقاتها مع الأفراد لتصبح العلاقات قائمة على منحى نظرية التبادل الاجتماعي، ومبدأ المعاملة بالمثل بين الطرفين للوصول إلى الفهم المشترك للحياة التنظيمية. ومن هنا برز مفهوم الدعم التنظيمي المدرك الذي يهتم بتحقيق رفاهية الأفراد في المنظمات التي تؤدي إلى اشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية بما يؤدي إلى زيادة شعورهم بالانتماء لمنظماتهم ويشعرهم بمزيد من الثقة نحوها والمساهمة في تحقيق اهدافها. فضلاً عن اسهامه في بناء الهوية الاجتماعية للعاملين والانغماس الوظيفي.

ومن المفاهيم الاخرى التي ارتبط تطبيقها بمضامين نظرية التبادل الاجتماعي ومبدأ المعاملة بالمثل هو العقد النفسي الذي يقوم على فكرة احداث التوازن في العلاقات التبادلية بين المنظمات والأفراد تحقيقا لمتطلباتهم المادية والمعنوية، لما لها من تأثيرات ايجابية على مواقف وسلوكيات الافراد. فالوفاء بالعقد النفسي من قبل المنظمات ينعكس على سلوكيات ومواقف الافراد لاسيما الالتزام العاطفي وتحسين مستوى الاداء وسلوكيات المواطنة التنظيمية والانغماس الوظيفي، فضلاً عن انه يسهم في بناء الهوية الاجتماعية للعاملين.

مع تصاعد وتيرة المناداة بتطبيق مضامين علم النفس الايجابي العلم الذي يركز في محتواه على الاهتمام بالجوانب الايجابية في حياة الفرد كالأمل والتفاؤل والسعادة والتسامح والمثابرة وغيرها من الجوانب الاخرى التي تمثل محوراً من محاور سعادة الفرد. أصبح مفهوم الانغماس الوظيفي بأبعاده الثلاث النشاط، والتفاني، والانهماك أحد المفاهيم المهمة التي تعبر عن الحالة الايجابية للفرد المرتبطة بالعمل التي تظهر ذوبانه الكلي عند ادائه لوظيفته، ومن المنظمات التي اسهمت في بروز هذا المفهوم منظمة گالوب للاستشارات عام 2006 التي وجدت ان الانغماس الوظيفي يحقق للمنظمات الربحية، ويسهم في تحقيق رضا الافراد ورفاههم.

ومن هذا المنطلق وجد الباحثون في ميدان السلوك التنظيمي في مفهوم الانغماس الوظيفي حقلا خصباً لدراسة انعكاساته على سلوكيات ومواقف الافراد مثل تحسين مستوى الاداء (Bakker et al., 2012; Gruman & Saks, 2011)، والسلوك الابداعي للفرد (Slatten&Mehmetoglu,2011)، وسلوكيات الدور الاضافي والالتزام (Albrecht,2012) التي من شأنها ان تحقق النجاح والتميز للمنظمات فيما بعد.

إن النجاح والتميز للمنظمات لا يتحقق من دون قاسم مشترك بينها وبين الافراد العاملين فيها، ويتمثل هذا القاسم المشترك بالهوية الاجتماعية التي يعبر فيها الفرد عن معرفة نفسه كعضو قيم داخل المنظمة، فالهوية الاجتماعية تعد بمثابة المظلة التي تحتمي تحتها كل المفاهيم السلوكية الأخرى، لذا اتجهت انظار الباحثين نحو الدور الذي يؤديه بناء الهوية الاجتماعية في تحقيق الانغماس الوظيفي لاسيما (Nahrgang et al.,2010; Madera et al., 2012). فبناء هوية اجتماعية راسخة لدى الفرد تُسير بوصلة سلوكه باتجاه شواطئ النجاح للمنظمة. ولكي تنجح المنظمات عليها أن تفهم سلوك الافراد العاملين فيها.

وعلى وفق هذه النظرة فان مفاهيم الدراسة الحالية (الدعم التنظيمي المدرك، والعقد النفسي، والهوية الاجتماعية، والانغماس الوظيفي) تعد مهمة في بناء سلوكيات ومواقف الافراد تجاه منظماتهم.

وتوخياً لمواكبة الجهود الفكرية في اعلاه تكونت الدراسة الحالية من اربعة فصول، اذ اختص الفصل الاول بعرض منهجية الدراسة وبعض الدراسات السابقة من خلال مبحثين، شمل الاول منهما منهجية الدراسة فيما شمل الثاني بعض الدراسات السابقة، واهتم الفصل الثاني بعرض الإطار النظري للدراسة، اذ تكوّن من أربعة مباحث، اهتم الاول بعرض الاسس الفكرية للدعم التنظيمي المُدرك، فيما تعرض المبحث الثاني لمفهوم العقد النفسي، وجاء المبحث الثالث ليلقي الضوء على مفهوم الهوية الاجتماعية للعاملين، وأخيراً فان المبحث الرابع جاء ليعرض الاسس الفكرية لمفهوم الانغماس الوظيفي. اما الفصل الثالث فقد اختص بعرض الجانب التطبيقي للدراسة، تكوّن من خمسة مباحث، اهتم المبحث الاول ببناء أنموذج الدراسة، فيما اهتم المبحث الثاني بتحليل اراء افراد عينة الدراسة واستجاباتهم حول متغيرات الدراسة، اما المبحث الثالث فاهتم باختبار الفروق بين مقاييس الدراسة، وأما المبحث الرابع فانه اهتم بتحليل علاقات الارتباط والتأثير المباشر بين متغيرات الدراسة، وأخيراً فان المبحث الخامس اهتم بقياس التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لمتغيرات الدراسة من خلال استعمال اسلوب تحليل المسار، وأخيراً فان الفصل الرابع انصبَّ على عرض أهم ما توصلت اليه الدراسة من استنتاجات وتوصيات على المستويين النظري والتطبيقي واهم المقترحات للدراسات المستقبلية.