عادل عباس عبد حسين

المقدمة :

 

         تشهد منظمات الأعمال تطورات وتحديات متلاحقة وكبيرة . ناتجة عن التحولات الأقتصادية والاجتماعية والادارية التي يشهدها العالم ، مما برز الحاجة الى التنبؤ بمستقبل هذه المنظمات والعمل على بناء نظام عالمي مستدام تقع المسؤولية الأكبر فيه على هذه المنظمات كونها جزء من نظام محلي ضمن نظام عالمي أشمل يؤشر في نشاطات وخطط وأستراتيجيات تلك المنظمات ، التي تشكل الجزء الأكبر من هيكل الأقتصاد العالمي .

وكون بيئة اليوم تتصف بأنها مرنة جداً ومفتوحة وفيها أشكاليات وغير مؤكدة بشكل عام ، إذ أن الزبائن والعملاء يغيرون رأيهم حول أحتياجاتهم ورغباتهم في كل وقت . مما يحتم الكشف عن الملامح الأساسية لها والبحث عن أساليب علمية ملائمة التي يمكن من خلالها أستطلاع المستقبل والاستعداد لمواجهة هذا التيار من التغيرات والتحولات ، لذلك لابد من تقرير ما أذا كان البقاء على المسار ، أو الأنتقال الى أفاق جديدة واعدة ، وعليه يجب أن نتعلم كيفية التفاعل والتكيف بسرعة خاصة في البيئات المعقدة والديناميكية ، وأن القدرة على الارتقاء بالعمل خروجاً عن السياق لتقديم الأرقى من خلال الارتجال أو القدرة الآنية التي تكون غائبة أو متجاهلة عن التخطيط لأداء العمل ، إلا أن الارتجال التنظيمي (Organizational Improvisation) في مجال التنظيم يختلف بأختلاف البيئة ، فالبيئة التنظيمية الرسمية المتصلبة التي تحكمها القواعد والإجراءات والنصوص ، تعد الارتجال التنظيمي خرقاً لقواعد التنظيم ، ومن ثم قد يحاسب الشخص أو يؤشر عليه بعدم الالتزام ، في الوقت الذي تعده ظاهرة الارتجال التنظيمي قابلية كبيرة لا تتوافر لدى جميع القادة الإداريين أو العاملين بقدر ما يتميز بها القلة منهم . وهذا هو التحدي الذي يواجه الإدارات والقادة والعاملين في منظمات الأعمال في الوقت المعاصر . فالأساليب التقليدية والروتينية في العمل والتركيز على معالجة المشكلات المفاجئة للمنظمات لم تعد تتلاءم مع مقتضيات ومتطلبات العصر الجديد الذي يتسم بالتغيير والتطور المستمرين ، فدور الموارد البشرية والسلوك التنظيمي والإدارات والقادة والعاملين والإدارة الإستراتيجية يتطلب تطبيق ممارسات حديثة لمواكبة المتغيرات والتحديات المعاصرة بشكل مستمر .

   وأستناداً الى لذلك جاءت هذه الدراسة للتعرف على تأثير الارتجال التنظيمي في تعزيز الريادة الاستراتيجية لتحقيق المكانة الاستراتيجية للمنظمة . وفي أطار هذه التجاذبات الفكرية جرى عرض الإطار المنهجي وبعض الادبيات السابقة التي أعتمدت عليها الدراسة الحالية ، إذ أعتمدت الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي ، إذ تلخصت مشكلة الدراسة بمجموعة من التساؤلات كان أهمها ماهو دور الارتجال التنظيمي في تحقيق المكانة الاستراتيجية للمصارف عينة الدراسة ؟ ، ما سيناريوهات تحقيق المكانة الاستراتيجية الأكثر تلائماً وطبيعة للوضع الحالي للمصارف المدروسة في ظل أدائها وممارساتها .

وحددت أهمية الدراسة على ضوء ذلك بما يلي ، التوسع في دراسة عناصر الارتجال التنظيمي وعدم تفويت الفرص على المصارف عينة الدراسة في الإفادة منها في مواجهة التحديات المحيطة بها مما يؤهلها للوصول الى مكانة أستراتيجية مرموقة . وقد هدفت الدراسة الى تناول الدور الذي يمكن أن يلعبه الارتجال التنظيمي في تعزيز أثر الريادة الاستراتيجية لتحقيق المكانة الاستراتيجية . وقد أفترضت الدراسة الحالية عدد من الفرضيات الرئيسة والفرعية كان أهمها ( يسهم الارتجال التنظيمي في تعزيز أثر الريادة الاستراتيجية على تحقيق المكانة الاستراتيجية للمنظمة ) .

وتم أختيار عينة تمثل ( 280 ) شخصاً يمثلون القادة والعاملين في المصارف الخاصة عينة الدراسة في محافظات الفرات الأوسط وعددها (7) ، وقد جرى الأستعانة ببعض الوسائل الأحصائية كان أهمها ، معامل التحليل العاملي ، ومعامل التفسير ، ومعامل أرتباط بيرسون . وجمعت بيانات الدراسة بوساطة الإستبانة وتم تحليلها رياضياً بأستخدام معاملات الأحصاء اللامعلمي وتم تنفيذها بأستخدام البرنامج الأحصائي SPSS)) .

وقد تضمنت الدراسة أربعة فصول بما ينسجم وأهداف الدراسة ، أحتوى الفصل الأول مبحثين تحدث المبحث الأول عن استعراض بعض الجهود المعرفية السابقة ومجال الأستفادة منها ، أما المبحث الثاني فقد تناول المنهجية العلمية للدراسة عبر عرض الاشكالية الفكرية للدراسة ومشكلة الدراسة وأهميتها وأهدافها ومخطط الدراسة وفرضياتها فضلاً عن متغيرات الدراسة وحدودها وصعوباتها وعينتها ومصادر جمع البيانات والمعلومات والوسائل الاحصائية المستخدمة في الدراسة ووصف عينة الدراسة ومجالها .

أما الفصل الثاني فقد تضمن ثلاثة مباحث ، تضمن الأول منها مفهوم الريادة الاستراتيجية ، في حين خصص الثاني لعرض فلسفة المكانة الاستراتيجية ، أما الثالث تناول وبشكل مفصل الارتجال التنظيمي .

وخصص الفصل الثالث للجانب العملي بمباحثه الأربعة ، فقد أهتم المبحث الأول بفحص وأختبار الأستبيان ، وخصص المبحث الثاني للوصف الأحصائي وعرض نتائج الدراسة وتحليلها وتفسيرها . في حين كان المبحث الثالث لأختبار علاقات الأرتباط بين متغيرات الدراسة ، وكان المبحث الرابع لأختبار فرضيات الأثر والتباين بين متغيرات الدراسة .

وكان خاتمة هذا الجهد المتواضع في الفصل الرابع الذي تناول الأستنتاجات والتوصيات من خلال مبحثين ، خصص الأول الأستنتاجات التي توصلت أليها الدراسة بشقيها النظري والعملي ، والتي كان أهمها أن تبني ممارسات وفلسفة الارتجال التنظيمي قياساً بالممارسات الرسمية المعتمدة على الإجراءات والروتين يسهم في بناء فلسفة متطورة للأرتجال التنظيمي وسيناريوهات وقدرات إبداعية وجريئة تقود الى إحداث تغيير في المكانة الاستراتيجية للمصارف الخاصة المدروسة ، ومن ثم غلق الفجوة . وقد أوصت الدراسة الى ضرورة أن تعي إدارات المصارف الخاصة عينة الدراسة بأن المكانة الاستراتيجية هي ضرورية أكثر من أن تكون ألتزاماً تفرضه التحديات التنافسية ، وهذا يستدعي القيام بالارتجال التنظيمي والسعي لتحقيق ريادة أستراتيجية ، مما يستوجب حفز أدارات تلك المصارف ذات الحجم المتوسط والصغيرة الى أهمية الاندماج مع مصارف أخرى لزيادة رأسمالها وقدراتها وأمكانياتها ومواردها وخبراتها لمواجهة تحديات ومنافسة المصارف المحلية والأجنبية والوصول الى مكانة أستراتيجية مرموقة .