حيدر كريم عيدان الكريطي

المقدمة

 

قال عز من قال : [[ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ]]([1]) . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق ، أبي القاسم محمد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين ، ومن دعى بدعوته ، وسار على نهجه وسيرته إلى يوم الدين .

أن موضوع ( الصعيد المصري وأثره في الأحداث العامة في العهد الفاطمي 358-567ه) من المواضيع التي كنت أرغب في معرفة أسراره لافتقارنا إلى مثل هذه الدراسات الأكاديمية فأكثر الباحثين يكتبون عن مصر بصورة عامة أبان عهد الدولة الفاطمية ولم يتطرقوا إلى الصعيد وهو الجزء المهم من الديار المصرية حيث انه لعب كثيرا من الأدوار الهامة سواء اكان ذلك الدور اقتصاديا ام سياسيا ام اجتماعيا ، فمن الناحية الاقتصادية نجد ان الصعيد كان يمد البلاد بالغلال ويساعد على حل الازمات الاقتصادية التي كان تمر بها البلاد في ذلك الوقت ، وساهم الصعيد بإنتاج الكثير من المحاصيل الزراعية وصناعة كثير من المنتجات الصناعية . اما من الناحية السياسية وبدورهم ساهم ولاة وحكام الصعيد في الازمات السياسية التي كانت تمر بها البلاد في العهد الفاطمي ، اما من الناحية الاجتماعية فقد ظهرت العلاقات بين العرب واهل الذمة ومساهمتهم في الكثير من جوانب هذه الحياة .

واجه البحث صعوبات كثيرة منها أني خشيت من مغبة الخوض في هذا الموضوع ، إذ شمل العديد من الجوانب المتعددة للصعيد المصري ، فهذه المواضيع غالبا ما تكون متشعبة وكثيرة تطلبت مجهودا كبيرا من الباحث ، والصعوبة الثانية هي قلة المعلومات الخاصة بصعيد مصر وتبعثرها في صفحات المصادر ، فيما استلزم قراءة مادة المصادر والمراجع بكاملها للبحث عن الإشارات المتناثرة بين ثنايا الكتب مما يفيد الموضوع بكافة جوانبه ، ولكن بفضل الله تعالى استطعت أن أتغلب عليها .

أ- نطاق البحث :

قسم البحث الى مقدمة ، واربعة فصول وخاتمة ، جاء الفصل الأول بعنوان الجغرافية التاريخية للصعيد المصري ، إذ ضم الفصل اربعة مباحث درسنا في المبحث الأول : الصعيد لغة واصطلاحا ، وسلط الضوء في المبحث الثاني : على جغرافية الصعيد ، ودرس المبحث الثالث : التقسيم الإداري للصعيد المصري ومدنه .

أما المبحث الرابع : فقد حمل عنوان القبائل العربية وأثرها في صعيد مصر ، تناولت فيه موقف القبائل العربية في منطقة الصعيد المصري من الدولة الفاطمية ، وتطرقت إلى القبائل العربية العدنانية والقحطانية التي استقرت في إقليم الصعيد ودرست أسباب هجرة القبائل العربية إلى الصعيد المصري ، كما تناولت دور القبائل العربية في الحياة الاقتصادية سواء كان نشاطها في الزراعة أو الصناعة أو التجارة .

ودرست في الفصل الثاني الأحداث السياسية والثورات التي قامت في صعيد مصر ، إذ قسم الفصل على مبحثين ، سلط المبحث الأول على حالة المجتمع المصري قبل الفتح الفاطمي لمصر (323-358هـ/ 935 – 969م) فقد بينت الأزمات الاقتصادية والكوارث الطبيعية التي مرت بها مصر أيام الدولة الاخشيدية من اشتداد الغلاء نتيجة أسباب عديدة ، منها : انخفاض مناسيب مياه نهر النيل عن منسوبها الطبيعي مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وغيرها من الأسباب الأخرى ، كما تطرقت إلى ثورات المصريين التي عجلت في سقوط هذه الدولة ، يضاف إليها حالة الفوضى والاضطرابات التي عمت مصر بعد وفاة كافور الاخشيدي وما عانته مصر في تلك الفترة من أوضاع اقتصادية وسياسية قاسية جدا ، كما تناولت المحاولات والحملات الفاطمية على مصر إذ بدأت المحاولات الفاطمية بصورة مبكرة أي منذ قيام الدولة الفاطمية في المغرب على يد عبد الله المهدي .

وتصديت في المبحث الثاني إلى أهم الأحداث السياسية والثورات التي قامت في منطقة الصعيد ضد الدولة الفاطمية مثل المقاومة الاخشيدية والكافورية وثورات أهل تنيس الأولى والثانية بالإضافة إلى ثورة عبد العزيز الكلابي التي قامت سنة (361هـ/ 972م) ، وثورة حمزة بن بعلة الكتامي 368ه/978م وثورة أبي ركوة التي قامت في إقليم برقة وامتدادها إلى صعيد مصر ، وأسباب هذه الثورات التي كان في الغالب الطموح الشخصي لهؤلاء الثائرين بالإضافة إلى بعد الصعيد عن مركز الخلافة الفاطمية في القاهرة .

وخصصت الفصل الثالث لدراسة الحياة الاقتصادية في صعيد مصر إذ ضم هذا الفصل خمسة مباحث درست في المبحث الأول عوامل ازدهار الحياة الاقتصادية فيه وكرست في هذا المبحث بيان أهمية الموقع الجغرافي لمصر وبصورة عامة على اعتبار أن الصعيد جزء منها وكذلك كان لاستتباب الأمن في الصعيد بالإضافة إلى التسامح الديني من قبل الخلفاء والأسواق ويضاف إليها وفرة المواد الخام في الصعيد اذ كان لها دور كبير ومهم في ازدهار النشاط الاقتصادي في الصعيد .

وبحثت في المبحث الثاني نظام الري والزراعة بالإضافة إلى أنواع الأراضي الزراعية والمحاصيل الزراعية التي اشتهرت بها منطقة الدراسة .

وكرست المبحث الثالث للحديث عن الصناعة وأشهرها الصناعات التي قامت في منطقة الصعيد وعلى من تعتمد تلك الصناعات وأشهر مناطقها وتوزيعها الجغرافي في إقليم الصعيد.

وخصصت المبحث الرابع لدراسة التجارة فتناولت فيه مراكز التجارة الداخلية والخارجية في صعيد مصر وبحثت في المبحث الخامس طرق التجارة الداخلية والخارجية بالإضافة إلى العلاقات والصلات التي أقامتها الدولة الفاطمية مع المدن الإيطالية وعلاقة مصر مع الدولة البيزنطية ويضاف إليه الصلات التجارية لها مع جزر البحر المتوسط ، كما بينت العلاقات التجارية للفاطميين مع بلدان العالم الإسلامي وتحدثت كذلك عن علاقاتها مع بلاد النوبة .

وبحثنا في الفصل الرابع الحياة الاجتماعية في صعيد مصر ، إذ ضم أربعة مباحث تناولت في المبحث الأول عناصر السكان من عرب وأقباط ومغاربة وسودان وأرمن ويهود وتوزيعهم الجغرافي في مناطق الصعيد .

ونهض المبحث الثاني بموضوع الأعياد والمناسبات في الوجه القبلي فدرست الاحتفالات والأعياد الدينية بالنسبة للمسلمين كما خصصت جزء من الأعياد الدينية لأهل الذمة في الصعيد وتناولت كذلك العادات والتقاليد والأخلاق في مدن وأعمال الصعيد .

وأفردت المبحث الثالث وخصصته لدراسة الحياة العامة في صعيد مصر وأبرز مظاهرها تناولت فيه نساء الصعيد ودورهن في الحياة العامة وكذلك درست في هذا المبحث مراسيم الزواج وإجراءاته في منطقة الدراسة . كذلك تناولت بشكل مبسط الختان وكيف كان يتم في إقليم الصعيد كذلك مراسيم الحزن مثل المآتم والجنائز .

وكرست المبحث الرابع لدراسة موضوع مهم جدا في صعيد مصر وهو خطط مدن الصعيد فتناولت الحمامات في البلاد المصرية بوجه عام والصعيد بوجه خاص لما للحمامات من أهمية بالإضافة إلى دورها الصحي كذلك تناولت الأسوار أحد معالم مدن الصعيد القديمة قدم مدن هذا الجزء من العالم ، وبحثت في هذا المبحث الجوامع في إقليم الصعيد لتدرس فيها العلوم الدينية والعلوم المساعدة الأخرى ، إذ كانت جوامع الصعيد معاهد للعلم ونشر الثقافة وأهم ما لفت أنظار الرحالة العرب والمسلمون في مدن الصعيد أسواقها المزدحمة التي كانت مؤشرا في معرفة ازدهار الدولة من عدمه على اعتبار أنها مركز النشاط الاقتصادي بالمدن

 


([1])سورة المجادلة ، الآية11: .