سعد الدين هاشم مهدي البناء

المــقــدمــــــــة

لا يخفى على أحد ما للتنظيم القانوني من دور في نجاح الأجهزة الإدارية ، فهو عملية إدارية تهتم بجميع المهام والأنشطة المراد القيام بها وتحديد السلطات والصلاحيات وتلافي الازدواجية والاستفادة من القدرات والطاقات والتنسيق بين الأقسام من أجل تحقيق الأهداف المرسومة لتلك الأجهزة ، وفي الوقت نفسه يتم من خلال التنظيم الإداري مواجهة التوسع في أعمال تلك الأجهزة بتطبيق التخصص الذي أصبح السمة المميزة لغالبية الأجهزة الإدارية .

وتزداد أهمية التنظيم الإداري في العتبة الحسينية المقدسة بسبب التوسع المستمر في هيكليتها الإدارية ، وطبيعة الأهداف المتنوعة التي تسعى لتحقيقها ، ومنها ضرورة توفير أفضل الخدمات للأعداد المتزايدة لزائريها ، الأمر الذي يستلزم وجود تنظيم قانوني دقيق تضطلع إدارة كفوءة بتنفيذه ، لتحقيق الأهداف المرسومة وبالكيفية التي تتناسب وخصوصيتها وقدسيتها والمكانة الدينية التي تحظى بها .

أولا : أهمية البحث .

تحظى العتبات المقدسة عامة بأهمية كبيرة ومكانه سامية في نفوس المسلمين ، وحتى غير المسلمين ، إذ يتوجهون لزيارة هذه الأماكن على مدار أيام السنة ويؤدون فيها الطقوس العبادية والشعائر الدينية ، ويشعرون بارتباط روحي بينهم وبين هذه العتبات المقدسة التي تضم الأجساد المطهرة لأهل البيت الذين يُعَدّون الامتداد الطبيعي لرسول الإنسانية جمعاء محمّد ومن بين تلك العتبات المقدسة ، العتبة الحسينية المقدسة التي تحظى بمنزلة رفيعة ومكانة مرموقة واختصّها الله تعالى من بين سائر العتبات المقدسة بمزيد من الكرامات ، فقد روي عن الأمام الصادق أنه قال : ” كلنا سفن النجاة ، وسفينة جدي الحسين أوسع وأسرع ” ، إذ إنَّ هذه الروضة المباركة تضم جسد سيد الشهداء وأبي الأحرار الأمام الحسين الذي أظهر أسمى آيات البطولة والفداء ، وَضحَّى بنفسه وأهله وخلَّص أصحابه من أجل رفع راية الحق والحرية والإباء والدفاع عن دين جدّه محمد بالوقوف ضد الظلم والطغيان والفساد 0 وإزاء تلك المكانة السامية والأهمية الخاصة للعتبة الحسينية المقدسة في وجدان المسلمين ، إلا أنّها شهدت تهميشاً وعدم اهتمام من قبل العديد من السلطات التي حكمت العراق أثناء السنوات التي سبقت سقوط النظام الحاكم في (9/4/2003م) ، إلى جانب تعرض زوارها إلى أقسى أنواع القمع والتنكيل من قبل السلطات المذكورة ، إذ أنها تعتقد أن أصل النهج الذي انتهجه الإمام الحسين ، يُعَدّ مصدر خطر على وجودها في سدّة الحكم ، وكذلك تستشعر الخطر نفسه ممن يسير على نهجه القويم ويهتدي بخطاه .

إن النجاح الذي حققته العتبات المقدسة بعد 9 / 4 / 2003م على الأصعدة كافة دفعنا إلى دراسة التنظيم القانوني الذي استندت إليه العتبات في تنظيم عملها ، وأبعاد الشخصية القانونية الممنوحة لها مع إبراز الأوجه الإيجابية لهذا التنظيم وما تمتع به من خصوصية ، على أمل الاستفادة من ذلك في تقوية النظام الإداري لأجهزة الدولة.

ولابد من الإشارة إلى أنه بعد هذا التاريخ تصدى عدد من الإخوة الباحثين لكتابة بحوث قانونية تناولت جوانب ذات صلة بالعتبات المقدسة في جمهورية العراق ومع ذلك لازالت المكتبة القانونية تفتقر إلى بحوث قانونية متخصصة بالتنظيم القانوني للعتبة المقدسة .ولكوني تشرفت أن أكون أحد خدام العتبة الحسينية المقدسة وزائريها الكرام ومنذ الأسابيع الأولى التي تلت سقوط النظام السابق في التاريخ المذكور وليومنا الحاضر ، لذا سأحاول الخوض في هذا المضمار