وجدان صالح داخل العبيدي

المقدمة

     كان لموضوع(( السجون في مدينة بغداد دراسة في خططها واساليب التعذيب فيها من 334-447هـ/945-1055م)) ابان العصر البويهي أهمية كبيرة على مستوى دراسة التاريخ الإسلامي بشكل عام ودراسة تاريخ الحضارة الإسلامية بشكل خاص .

     إن الأهداف الرئيسية لدراسة السجون في مدينة بغداد خلال هذه الحقبة التاريخية والتي حددتها الدراسة ، كانت عديدة من ابرزها اظهار دراسة السجون في مدينة بغداد كأنموذج حضاري ضمن إطار الدولة العربية الإسلامية باختلاف مذاهب حكامها واتجاهاتهم السياسية .كما تهدف الدراسة الى بيان اختلاف الأحوال السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية واثر ذلك على عدد السجون واشكالها وأساليب التعذيب فيها ، وقد بينت الدراسة التطور التاريخي للسجون عند الأمم غير العربية وعند العرب قبل الإسلام وبعد ظهوره حتى انتهاء دور الإمارة البويهية في بغداد ، التصميم العمراني للسجون ودور المصمم المعماري في بنائه ، لعب العامل السياسي دورا فاعلا في زج الكثير ممن تقلدوا مناصب إدارية وسياسية في السجون بتغير الأحوال السياسية .

   أما الدواعي التي دفعتني الى الخوض في دراسة السجون في مدينة بغداد خلال هذه الحقبة التاريخية فأبرزها رغبتي الكبيرة للخوض في دراسة مواضيع الحضارة العربية الإسلامية كما ان الموضوع لم يتم تناوله فيما سبق من دراسات .

   اعتمدت العقوبات في الدولة الإسلامية على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، واجتهادات الفقهاء، فقامت على مبدأ القصاص تبعا لنوع الجرم، والسلطة هي التي تنفذ القصاص، أو يكون بأمر منها، وبما إن الشريعة الإسلامية حددت أنواع العقوبات لمخالفات وجرائم كثيرة كالسرقة والزنا وغيرهما، فان تلك العقوبات تنفذ عند ثبوت الإدانة، وغالباً ما تكون فورية . لذلك كانت الحاجة الى السجن قليلة نوعاً ما، واللجوء اليه كضرورة حتى يتبين أمر المتهم، وربما كان السجن عقوبة تعزير الإنسان الذي ارتكب مخالفة.

ولاجل تسهيل الدراسة فقد قسمنا البحث على وتمهيد واربعة فصول :

     ففي التمهيد تم استعراض بدايات الأسرة البويهية من أصولهم ومعتقداتهم وبدايات تكوين قوتهم في بلاد فارس ثم توجههم الى بغداد وسيطرتهم على مقاليد الأمور التي جعلت مصير الخلفاء العباسيين بأيدي الأمراء البويهيين فكان مصيرهم إما السجن أو السمل أو القتل أو العزل ، وتجدر الاشارة الى ان بدايات تكوين الامارة البويهية وتوجههم الى بغداد قد بحث من قبل باحثين اخرين كما اشرنا الى ذلك في متون الدراسة ونحن في هذا التمهيد لا نريد اعادة ما بحثه غيرنا ولكن نريد الوقوف على بعض المواضيع كي تكون مفتاحا لدراستنا .

     أما الفصل الأول فقد تناول المبحث الاول مفهوم السجن لغة واصطلاحا ومفهوم السجن في القرآن والسنة النبوية المطهرة ، أما المبحث الثاني فتناول التطور التاريخي للسجون عند الفرس والبيزنطيين والعرب قبل الإسلام كما تناول أيضاً السجون في الدولة العربية الإسلامية منذ بداية نشوئها في عهد الرسول الاعظم ( صلى الله عليه واله وسلم )الى نهايتها عام (656هـ/1258م) وصولا الى فترة الدراسة .

   اما الفصل الثاني فقد جاءت الدراسة فيه عن خطط السجون في مدينة بغداد وادارتها وقد تألف من ثلاثة مباحث، يقتصر الأول على الخطط لغة واصطلاحا وتخطيط مدينة بغداد . اما المبحث الثاني فتطرقنا فيه الى خطط السجون وأشكالها وأحوالها . بينما تناول المبحث الثالث من هذا الفصل الناحية الإدارية للسجون بتفاصيلها كافة من مسؤولية إدارة السجن والجهات التي يصدر منها أحكام السجن وغيرها . أما المبحث الرابع فقد تناولنا فيه أساليب تعذيب السجناء والأدوات التي كانت تستعمل لذلك .

     أما الفصل الثالث فقد تطرق البحث فيه عن انواع السجون في مدينة بغداد في العهد البويهي حيث يتضمن عدة فقرات منها السجون العامة في مدينة بغداد والسجون الخاصة وسجون النساء والسجون خارج مدينة بغداد ثم المنافي والقلاع.

     وفي الفصل الرابع تم دراسة السجناء في العصر البويهي ، وقسم هذا الفصل على مبحثين : المبحث الأول منها تحدث عن سجناء القضايا السياسية والإدارية من ضمنهم سجناء الأسرة البويهية والسجناء من الوزراء والسجناء من القضاة والكتاب وسجناء القضايا الفكرية . أما المبحث الثاني تناول حركات التمرد والعصيان وتعرض أصحابها الى السجون .  

     تم الاعتماد في دراستنا على عدد من المصادر سواء أكانت تاريخية أم حضارية أم أدبية. واخيرا فقد انهينا البحث بخاتمة وقائمة بالمصادر والمراجع واخرى بالملاحق وخلاصة الرسالة باللغة العربية والانكليزية. [رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا] {البقرة:286} والحمد لله رب العالمين