وفاء صالح مهدي ناصر

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى أهل بيته الطاهرين وأصحابه المنتجبين وبعد…

تعد الدولة الزيرية إحدى الدول التي حكمت المغرب زهاء قرنين (362-543هـ/972-1138م) حكامها من قبيلة صنهاجة([1]) الذين يرجعون نسبهم إلى زيري بن مناد الصنهاجي([2]).

ظهر حكامها في بادئ الأمر كقادة عسكريين من قادة الدولة الفاطمية بالمغرب وكان لهم دور كبير في دعم الدولة الفاطمية في صراعها مع قبيلة زناته([3]).

استمر الفاطميون([4]) في الاعتماد عليهم كقادة عسكريين حتى قرر المعز لدين الله الفاطمي([5]) (341-386هـ/952-996م) الانتقال إلى مصر في سنة (362هـ/972م), فجعلهم نواباً له في حكم المغرب([6]).

بقي الزيريون يدينون بالولاء للفاطميين حتى تولى المعز بن باديس الصنهاجي([7]), الحكم سنة (406هـ/1015م), الذي سار على سياسة أسلافه حتى سنة (440-499هـ/1048-1105م) عندما قطع خطبة للفاطميين, ودعا لخليفة العباسي([8]).

ولهذا جاء اختيار المعز بن باديس ليكون موضوع هذه الرسالة لكونه علامة مميزة وشخصية بارزة في الدولة الزيرية, لما شهده عهده من أحداث غيَّرت مجرى تاريخ المغرب .

أما ما واجهته من مشاكل أثناء بحثي , فهو قلة ما تذكره المصادر من معلومات عن هذه الشخصية, ولاسيما فيما يتعلق بالجانب الحضاري, وان وجدت, فهي معلومات بسيطة, ومتفرقة, ترد في المراجع الحديثة هاما المصادر فانها تذكر معلومات عن الإمارة الزيرية بشكل عام .

إلا أنّي عملت جاهدة على تذليل هذه العقبة, لإتمام هذا البحث على أكمل وجه وأفضل صورة .

وقد اقتضت طبيعة البحث تقسيمه على ثلاثة فصول تسبقه مقدمة, ويتلوه خاتمة تتضمن النتائج التي توصل إليها الباحث , وقائمة بأهم المصادر والمراجع التأريخية, ومجموعة من الملاحق التي لها علاقة بمواضيع البحث, والتي لها صلة بالمعز والزيريين لدعم مادة البحث, فقد خصص الفصل الأول لدراسة الحياة السياسية في المغرب قبل حكم المعز بن باديس, وقد قسم على ثلاث مباحث, درس المبحث الأول , الصنهاجيون وبروزهم السياسي , في حين تناول في المبحث الثاني, نشأة الدولة الصنهاجية , أما المبحث الثالث فقد خصص لدراسة السيرة الذاتية للمعز من حيث اسمه ونسبه, ومولده , وأقوال المؤرخون فيه, وآثاره ومكانته العلمية, ووفاته , وولايته للعهد .

أما الفصل الثاني , فقد تضمن دراسة الجوانب الحضارية أبان حكم المعز, وقد شمل اربع مباحث , خصص المبحث الأول , لدراسة نظم الحكم والادارة في عهد المعز , في حين تحدث المبحث الثاني عن الحياة الاجتماعية ومظاهر التطور العمراني فيها, أما المبحث الثالث , فقد درسَ الناحية الاقتصادية, في حين اهتم المبحث الرابع , بالنهضة العلمية والفكرية أبان حكم المعز .

أما الفصل الثالث والأخير , فقد تطرق للسياسة الداخلية والخارجية للدولة الصنهاجية أبان حكم المعز, وقسم على مبحثين , احتوى المبحث الأول منه على السياسة الداخلية , في حين تضمن المبحث الثاني , السياسة الخارجية للدولة .

اعتمدت هذه الرسالة على الكثير من المصادر والمراجع , التي اغنتها بالمعلومات , وعملت على سد ما فيها من الثغرات , ومن أبرز هذه المصادر:

! كتب التأريخ العام : ومن اهم كتب التأريخ العام التي استفدت منها كتاب الكامل في التأريخ , لمؤلفه ابن الأثير , عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم (ت:630هـ/1232م), والذي احتوت فصوله من الثامن إلى الحادي عشر على اخبار مستفيضة عن الدولة الزيرية, وحسب التسلسل الزمني للأحداث, وقد احتوى على الكثير من النصوص التي أغنت بها المادة العلمية .

وكتاب البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب , لمؤلفه ابن عذاري , محمد بن احمد (كان حياً سنة 712هـ/1312م), الذي احتوى على معلومات عظيمة عن المغرب, وحسب التسلسل الزمني للأحداث .

وكتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في تأريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر , لمؤلفه , ابن خلدون, عبد الرحمن بن محمد بن خلدون (ت:808هـ/1405م) , وقد اسهب كتاب العبر في تفاصيل الاحداث التي تناولت هذه الفترة , وكشف ما كان غامضاً منها من خلال فصوله المتعددة التي أسهمت بحق في إثراء المادة العلمية في البحث بما ذكره عن انساب البربر, وامراء الدولة الزيرية, ومن ثم أصول القبائل العربية التي قضت على دولة المعز وكيفية القضاء عليها .

! كتب التراجم والطبقات : ومن أبرزها كتاب وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان , لمؤلفه , ابن خلكان, أبي العباس شمس الدين احمد بن محمد (ت:681هـ/1282م) , وقد كان من المصادر الواسعة والشاملة , والذي ترجم للعديد من الشخصيات , وحسب الحروف الهجائية , وقد احتوى على معلومات قيمة حول شخصيات موضوع البحث , فقد ترجم لأمراء الدولة الزيرية ومن ضمنهم المعز بن باديس في فصوله الأول والثاني والخامس .

وكتاب المقفى الكبير, للمقريزي , تقي الين أبي العباس محمد (ت:845هـ/1441م), والذي ترجم فيه لعدد من الشخصيات المغربية والمشرقية خلال فترة حكم عبد الله المهدي, وذات العلاقة بالدولة الزيرية , لوجود ترابط ما بين الدولتين, وخاصة في الفترة الأولى لظهور الدولة الزيرية .

! كتب الجغرافيا والرحلات : وقد تضمنت كتب كثيرة ومتنوعة, ومن اهمها كتاب المغرب في ذكر بلاد افريقية والمغرب, لمؤلفه البكري, أبي عبيد الله بن عبد الله بن عبد العزيز (ت:487هـ/1094م) , والذي احتوى على معلومات كثيرة عن المدن المشهورة في المغرب وجوانب الحياة الأخرى فيها , وهو من المصادر التي لا يمكن الاستغناء عنها في ذلك , فقد كان لها من دور في إثراء الجانب الجغرافي والاجتماعي لدول المغرب.

وكتاب معجم البلدان, لمؤلفه ياقوت الحموي, شهاب الدين أبو عبد الله (ت:626هـ/1228م) , وهو من المصادر الجغرافية التي احتوت معلومات غزيرة جعلت منه موسوعة جغرافية تضمنت أدق واهم الأحداث التي مرت بها المغرب, والتي استعرضها من خلال تطرقه لمدنه وحسب الحروف الابجدية, وعلى فصوله المختلفة .

أما كتاب رحلة التجاني لمؤلفه التجاني , أبو محمد عبد الله بن محمد (ت:717هـ/1317هـ) , من أهم كتب الرحلات التي اعتمدت عليها, والذي تضمن تفاصيل كثيرة ونادرة عن هذه المدة دعمت بعض الجوانب في هذه الرسالة .

! كتب الأنساب : كتاب جمهرة أنساب العرب , لمؤلفه ابن حزم الاندلسي , أبي محمد علي بن سعيد (ت:456هـ/1063م) , والذي ترجم لانساب العديد من الرجال والصحابة والخلفاء , والقبائل , ومن ضمنهم البربر اصحاب الدولة الصنهاجية.

وقد تناول بعض المؤلفين المحدثين موضوع البحث بالمناقشة فنتج عن ذلك العديد من المؤلفات الحديثة, التي كانت مراجع مهمة للبحث ومن أهمها :

! المؤنس في إخبار افريقية وتونس لمؤلفه ابن أبي دينار, محمد بن أبي القاسم, وكتاب بساط العقيق, وشهريات التونسيات, وورقات عن الحضارة العربية بافريقية الزيرية, لمؤلفها عبد الوهاب, حسن حسني , وكتاب تأريخ الفتح العربي في ليبيا , لمؤلفه الزاوي, الطاهر أحمد , وكتاب الدولة الصنهاجية تأريخ افريقية في عهد بني زيري, لمؤلفه الهادي, روجي إدريس, وكتاب علاقات الفاطميين في مصر بدول المغرب, لمؤلفه خضري, حسن خضري احمد .

! بالإضافة إلى ما اعتمدت عليه من بعض البحوث المنشورة التي كانت خير عون للبحث كبحث التسفير (التجليد) في بلاد المغرب خلال العهود الإسلامية, لمؤلفته , عناد, وجدان فريق .

! ومن الرسائل التي أعانتني في بعض المعلومات المهمة , كرسالة صنهاجة المغرب الأوسط من الفتح الإسلامي حتى عودة الفاطميين إلى مصر, لمؤلفها ابن النيه, رضا , ورسالة الدولة العامرية في الاندلس (دراسة سياسية وحضارية) لمؤلفها القحطاني , علي احمد عبد الله .    

 


([1]) من اكبر قبائل البربر, اختلف المؤرخون في أصلهم, فمنهم من نسبهم إلى حمير من عرب اليمن, ومنهم من أرجع نسبهم إلى حام بن نوح (عليه السلام), أما النسابة البربر, فيرجعون نسبهم إلى برنس بن بر . ينظر: ابن الكلبي, أبي المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي, (ت:204هـ/819م), نسب معد واليمن الكبير, تحقيق: ناجي حسن, ط1, مكتبة النهضة العربية, بيروت, (1408هـ/1988م), ج1, ص548 ؛ ابن خلكان, شمس الدين أبي العباس بن احمد بن محمد, (ت: 681هـ/1282م), وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان, تحقيق: إحسان عباس, دار الثقافة , لبنان, د.ت , ج1, ص304 ؛ القلقشندي ، أبي العباس أحمد بن علي ، ( ت : 821هـ /1418م) ، قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان ، تحقيق : إبراهيم الآيباري، ط2 ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت – لبنان، ( 1402هـ /1982م), ص170 .

([2]) أول من ملك من الصنهاجيين بالمغرب, بنى مدينة أشير, كان موالياً للفاطميين, قتل في المعركة التي حدثت بينه وبين جعفر بن علي الأندلسي سنة (360هـ/971م) . ينظر: ابن خلكان, وفيات الأعيان, ج2, ص343 .

([3]) قبيلة من البربر, رأى النسابة البربر أنَّ زناته, هو شانا بن يحيى, الذي يرجع نسبه إلى نوح (عليه السلام) . ينظر: أبن حزم ، أبو محمد علي بن سعيد ، ( ت : 456هـ / 1063م) ، جمهرة أنساب العرب ، تحقيق : لجنة من العلماء ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، (1403هـ /1983م) ، ص 461 ؛ ابن خلدون, عبد الرحمن بن محمد (ت:808هـ/1405م), تاريخ ابن خلدون المسمى (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت–لبنان، (1391هـ/1971م)، ج7, ص2-3 .

([4]) هم خلفاء حكموا المغرب سنة (296هـ/908م), ثم دخلوا القاهرة سنة (358هـ/968م), استمر حكمهم في مصر حتى سقوط دولتهم على يد صلاح الدين الايوبي سنة (567هـ/1171م) . ينظر: القلقشندي ، مآثر الأنافة في معالم الخلافة ، تحقيق : عبد الستار أحمد فراج ، سلسلة تصدرها وزارة الإرشاد والأنباء ، الكويت ، (1384هـ /1964م) ،ج2, ص248 ؛ المقريزي ، تقي الدين أبي العباس احمد بن علي, (ت:845هـ/1441م), أتعاظ الحنفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفا ، تحقيق : جمال الدين الشيال ، ط2 ، د. ن, القاهرة ، ( 1416هـ / 1996م) ، ج1، ص65 .

([5]) هو رابع خليفة فاطمي بالمغرب سنة (341هـ/952م) ، وأول خليفة فاطمي في مصر سنة (362هـ/972م)، أمتاز بعلمه ، وسياسته الحكيمة ، توفي سنة (365هـ/975م) . ينظر: ابن خلكان, وفيات الأعيان , ج5, ص224 ؛ الزركلي, خير الدين, (ت: 1410هـ/1989م), الأعلام, ط5, دار العلم للملايين, بيروت – لبنان, (1401هـ/1980م), ج7, ص265 .

([6]) ابن الأثير, عز الدين علي بن أبي الكرم, (ت:630هـ/1232م), الكامل في التاريخ, دار صادر, د.م, (1386هـ/1966م) ؛ القلقشندي ، صبح الأعشى في صناعة الأنشا ، تحقيق : محمد حسين شمس الدين ، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، د.ت, ج5 ، ص120 .

([7]) هو ابن باديس بن منصور بن بلكين بن زيري, تولى حكم المغرب بعد وفاة والده سنة (406هـ/1015م), تمكنت القبائل العربية من هزيمته سنة (442هـ/1050م) . ينظر: الذهبي، شمس الدين عبد الله محمد بن احمد, (ت:748هـ/1347م), سير إعلام النبلاء، تحقيق وتخريج وتعليق : شعيب الأرنؤوط و محمد نعيم ، ط9، مؤسسة الرسالة ، بيروت – لبنان، (1413هـ/1993م) , ج7, ص269 .

([8])أبن خلكان، وفيات الأعيان ، ج5 ، ص234؛ الذهبي ، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق : عبد السلام تدمري، ط1 ، دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان، د.ت , ج33 ، ص228 .