المقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين ، والصَّلاة والسَّلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد:
فقد حظيت اللغةُ العربيةُ بمنزلةٍ عظيمةٍ لم تحظَ بها لغةٌ أخرى ، إذ شرَّفها الله تعالى عزَّ اسمُه ، وعَظمها ، وكرَّمها ، وأوحى بها إلى خَيْر خَلقهِ ، وأرادَ بقاءَها ودوامَها ، ومن أجل ذلك (( قُيَّضَ لها حَفَظَةً ، وخَزَنَةً من خواصّه من خيارِ الناس ، وأعيانِ الفضلِ ، وأنجُم الأرض تركوا في خِدْمتها الشهوَات ، وجابُوا الفلوَات ، ونادموا لاقتنائِها الدفِاتِر ، وسامروا القَمَاطر والمحَابِر))([1]) .
وهكذا دأبَ علماءُ العربيةِ ، وعلماءُ التجويد على خدمةِ لغتهم فاعتنوا بدراسةِ علومِها ، والبحثِ في أسرارِها ، ومكنوناتِها ، والحفاظِ عليها من اللحنِ والخطأ ، فكانت كتاباتهم تسير سيرًا حثيثًا لخدمةِ السفرِ الخالدِ (كتاب الله العزيز).
ولما كان علمُ الأصواتِ فرعًا من تلك العلوم حضي بتلك العناية والرعاية ، فهو الوسيلة التي تُحفظ بها هذه اللغة ، فجدَّوا جِدَّهم في هذا المستوى من اللغةِ وبثوا فيه آراؤهم في مؤلفاتهم تصريحًا وتلميحًا.
ولمَّا كان لزامًا علينا أن نضطلعَ في هذا اللغة ونتخير منها ما يمكن أن يخدمها ،فضلًا على أنَّ جهودَ كثيرٍ من علماء اللغة لا تزال غير معروفة للدارسين في زماننا ،وتلك الجهود تتضمن أفكارًا صوتية متميزة تستحق أنْ تدرس وتنشر ؛ استوت الرغبة ، وتولدت القناعة.
وحين انتهيت في دراستي إلى مرحلةِ اختيارِ موضوعٍ لرسالتي وجدت أنَّ جهودَ القوشجي الصوتية في كتابهِ (عُنقود الزواهر في الصرف) يمكن أن تكونَ موضوعًا لها بعد أن أُحيط بي وأنا أفتشُ في جُهدهِ الصوتي بظلٍ كثيفٍ من الغموضِ مما جعل النفوس المغامرة تهفوا إليه على قدرِ استطاعتها سُبله ، ولَعمري أنً المعركةَ مع القوي لِتُشعرَ بنشوةِ النصرِ، مثلما التسلل في طريقٍ شائكةٍ وعرةٍ تُشعر بنشوةِ الوصول، وهوّن عليَّ أنّي وجدت شيخي الفاضل المشرف الأستاذ الدكتور عادل نذير بيري الحسًاني يقوّي من عزيمتي ، ويشدُّ من أزري ، ويُعيدُ إليَّ ثقتي ، إذ أخذ بيدي – معلمًا – يسدد خطواتي في استعمالِ أدواتي التي تحصَّلتها في أثناء دراستي للغة العربيَّة ، ومن ثم حصل الموضوع على موافقة أساتيذي فكان موضوع رسالتي (البحث الصوتي عند القوشجي(ت879ه) في كتابه عنقود الزواهر في الصرف).
ثم عدت للعُنقودِ استقريه المرَّة تلو الأخرى لوضعِ خطتي لهذه الرسالةِ التي جاءت في ثلاثةِ فصولٍ سبقتها مقدمةٌ وتمهيدٌ أشرت فيه إلى التعريفِ بالقوشجي وختمت بأبرزِ النتائجِ التي توصل إليها البحث،فالفصل الأول ، تضمن مبحثين:
– الأول: مخارج الأصوات ، وبحثت فيه: (مصطلح المخرج ، وعدد المخارج ، ومخارج الأصوات عند القوشجي ، وعدد أصوات العربية).
– الثاني: صفات الأصوات ، وبحثت فيه: (عدد الصفات ، وتصنيف الصفات ، وصفات الأصوات عند القوشجي).
أما الفصل الثاني ، فتضمن الظواهر الصوتية على مستوى الصوامت في ثلاثةِ مباحث، هي:
-الأول: الإدغام ، وبحثت فيه: (مفهومه ، والغرض منه ، وأقسام الإدغام ).
– الثاني: الإبدال ، وبحثت فيه: (تعريف الإبدال وغايته ، وأسباب الإبدال ، وأقسام الإبدال ، وأصوات الإبدال ، والعلاقة بين طرفي الإبدال ، والإبدال عند القوشجي).
– الثالث: الهمز ، وبحثت فيه: (أولًا: أحكام الهمز ، ويتضمن: تحقيق الهمزة ، وتخفيفيها.
ثانيًا: الابتداء بهمزة الوصل).
أما الفصل الثالث ، فتضمن الظواهر الصوتية على مستوى الصوائت ، و قد جاء في مبحثين:
الأول: الإعلال ، وبحثت فيه: (مفهوم الإعلال ، وأسبابه ، أصالة الإعلال وفرعيته ، وأنواع الإعلالِ : القلب ، والحذف ، والإسكان).
الثاني: الإمالة ، وبحثت فيه: (تعريفَ الإمالة ، والاختلاف في المصطلحِ ، وأصحاب الإمالة ، ووجوب الإمالة وجوازها ، وأقسام الإمالة ، والغرض من الإمالة، ومحل الإمالة ، ومسوِّغات الإمالة (أسبابها) ، وموانع الإمالة).
وقد ارتكز منهجُ الرسالةِ على ركيزتين رئيستين:
إحداهما: إشارة الباحثِ إلى رأي القوشجي في كل مسألةٍ ، وموازنته بآراء غيره من العلماءِ ، وعرض رأي القوشجي على الدرسِ الصوتي الحديث بغيةَ الموازنةِ بين الدرس الصوتي (القديم والحديث).
الأخرى: تطبيق نظرية المقطعِ على كل الظواهرِ الصوتية بغيةَ معرفةِ التغيرات التي تطرأ على بنيةِ الكلمة.
ولاشك أنّ هذه الرسالة، ما كان لها أن تكتملَ لولا فضلُ الله تبارك وتعالى ، وفضلُ أستاذي المشرف الدكتور عادل نذير بيري الحسَّاني ، إذ لم يبخلْ عليّ بمشورةٍ ، أو نصح ، فكان يرفدني بالآراء السديدةِ ، والتوجيهاتِ القيمةِ التي انتفعت بها كثيرًا فقد أفدت من علمهِ وحكمتهِ فضلًا على تواضعهِ الذي لا يوصف بكلامٍ، فأسأله تعالى أن يحفظه ، وأنْ يمّن عليه بالصحةِ والعافيةِ وأنْ يجعلَ هذا العمل في ميزانِ حسناته ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين.