الخلاصة
الحمد لله الذي يسّر لنا أمرنا وأتم علينا النعم ، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ المصطفى الذي به هَدى الناس والأمم وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين .
وبعد أن التقاضي حق دستوري أصيل , وهو دعامة الحريات الأساسية التي تحتمها طبيعة الدولة القانونية وركيزة كل حكم ديمقراطي سليم , إذ كفلت الدساتير والتشريعات المختلفة حق التقاضي وعدم إعاقة أي شخص من مراجعة القضاء , ومهما بلغت الحقوق والحريات العامة التي يخولها أي نظام ديمقراطي أو يكفلها دستور أية دولة قانونية , فأنها لا تقوم ولا ترتب مقاصدها إلا بقيام حق التقاضي بكونه الطريق الرئيس والضمان المبدئي الذي يكفل حماية الحقوق والحريات العامة والتمتع بمباشرتها , وخاصةً من جوانبها العملية إضافةً إلى معطياتها النظرية , وتتمتع الإجراءات الخاصة بتنظيم التقاضي بأهمية كبيرة في مختلف الأنظمة القضائية مدنية كانت أم إدارية أم جنائية , لكون هذه الإجراءات تمثل خطوة مهمة للوصول إلى الحقيقة والحكم بها .
وتتبوأ إجراءات التقاضي الإدارية مركزاً لا يقل شأناً عن غيرها من الإجراءات في مجال التنظيم القضائي لأي بلد , ومرجع ذلك إلى إنها الوسائل الواجبة الإتباع لحسم ما ينشأ بين الإدارة والأفراد من خلافات , بالإضافة إلى إنها تستهدف حماية المتقاضين وضمان سلامة التقاضي وتيسير الفصل في القضايا لتحقيق العدالة , إذ أن تزايد حاجات المجتمع وتداخل العلاقات بين أفراده أدى إلى زيادة تدخل الدولة في حياة الأفراد الأقتصادية والإجتماعية فألقى ذلك زيادةً في الأعباء على عاتق الإدارة , إذ أن مقتضيات الحياة المتطورة قضت أن يتعامل الفرد مع الإدارة , وهذا التعامل أدى بدوره إلى نشوء علاقات متبادلة سواء بين الإدارة وموظفيها أم بين الإدارة والأفراد , فتحاول الإدارة تنظيم وإدارة تلك العلاقات عن طريق ما تصدره من تصرفات قانونية مخولة لها بموجب القانون , ومن تلك التصرفات ما يتعلق بتنظيم وإدارة شؤون الموظفين طبقاً للمركز التنظيمي الذي يخضع له الموظف , ووفقاً لمقتضيات المصلحة العامة وضمان سير المرفق العام , غير أن الإدارة قد تخطأ في تنظيم تلك العلاقات وخصوصاً عندما تصدر قراراتها دون روية أو على عجل من أمرها كما قد يحدث أن تتجاهل الإدارة بعض القواعد القانونية التي ينظمها المشرع حفاظاً لمصلحة الموظفين مما يؤدي إلى الأضرار بهم والاعتداء على حقوقهم , ومن مقتضيات العدالة أن تخضع الإدارة لحكم القانون وان تكون كلمة القانون هي العليا , فلا بد إذاً من تنظيم رقابة قضائية على أعمال الإدارة , لضمان سيادة حكم القانون ومبدأ المشروعية من جهة , والحفاظ على مصلحة الموظفين وحقوقهم من جهة أخرى .
وتمثل محكمة قضاء الموظفين في العراق ملاذاً يلتجأ إليه الموظف إذا ما اعتقد بعدم مشروعية قرارات الإدارة , فهي تمارس أختصاصاتها في الرقابة على أعمال الإدارة المتعلقة بشؤون الوظيفة العامة .
أهمية البحث :-
تكمن أهمية البحث في كونه يسلط الضوء على إجراءات التقاضي الإدارية أمام محكمة قضاء الموظفين , وإجراءات التقاضي الإدارية بذلك تتطلب دقة في الدراسة والإستيعاب ذلك أن النصوص القانونية التي تعالج هذا الموضوع من القلة بصورة لا تتناسب مع أهميته , إذ أن متطلبات تحقيق العدالة في مجال القضاء الإداري تستوجب وجود إجراءات فعالة تتفق مع طبيعة الدعوى الإدارية التي يقيمها الموظف دعماً للحقوق ورعايةً للأوضاع والمراكز القانونية , وعلى ضوء دقة هذه الإجراءات وتكاملها وملاءمتها للدعوى الإدارية يمكن الوصول إلى مصلحة المتقاضين بأقل جهد ممكن , لذا أصبحت قواعد الإجراءات الإدارية ضرورة أساسية في الدول وخصوصاً التي تأخذ بنظام القضاء المزدوج فلا يمكن أن يتصور وجود قضاء إداري مستقل من دون وجود قانون ينظم قواعد التقاضي فيها , وكلما ازدادت الدقة في تنظيم هذه القواعد فأنه يعد مظهراً حضارياً ومرآة عاكسة عن تقدم القضاء الإداري في تلك الدول كما هو الحال في فرنسا , ويبقى الأصل في الإجراءات الإدارية الاختصار أي لزوم أن تتحقق بأقصر وقت وإقل جهد وإقل مصاريف للوصول إلى الحكم الفاصل في الدعوى .
كما تتجلى أهمية هذا الموضوع بكونه يأتي في ظل ندرة الدراسات والبحوث القانونية في هذا المجال , ولا نجد سوى ما قدمه البعض من الأساتذة المختصين في القانون والقضاء الإداري, كما لاحظنا افتقار المكتبة القانونية العراقية إلى مثل هذه المواضيع بشكل كبير .
مشكلة البحث :-
أن جميع المراحل التي تمر بها إجراءات التقاضي أمام محكمة قضاء الموظفين ابتداءً من إجراءات رفع الدعوى والنظر فيها وحتى صدور الحكم من المحكمة والطعن في أحكامها , لم تنظم في قواعد خاصة تعالج الإجراءات الواجبة الإتباع عند رفع الدعوى ضد القرارات الإدارية المتعلقة بفرض العقوبات الانضباطية , أو تلك الناشئة عن حقوق الخدمة المدنية , وأن السماح بالرجوع لقواعد المرافعات المدنية والجزائية في مجالات القضاء الإداري أمر لا يستقيم مع الخصائص المميزة لإجراءات الدعوى الإدارية التي تتمتع بذاتية خاصة تغاير تلك المأخوذ بها أمام القضاء العادي , كما إنها تختلف من جهة الأسس التي تبنى عليها والغايات التي تستهدفها , ومن ضرورات قيام قضاء إداري مستقل في العراق وجود قواعد قانونية مستقلة خاصة بالإجراءات الإدارية , غير أن ذلك لا يعني عدم وجود إجراءات إدارية يجب إتباعها فهذه الإجراءات لا يوجد منها إلا النزر اليسير في قانون مجلس شورى الدولة رقم (65) لسنة 1979 المعدل , وقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل , وفي حالة عدم وجود نص خاص يعالج ذلك يتم الرجوع إلى أحكام قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل , وقانون أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل .
منهجية البحث :-
ستكون دراستنا لهذا الموضوع دراسة قانونية مفصلة بأسلوب علمي وعملي , باعتماد المنهج التأصيلي والتحليلي والمقارن , فهي دراسة تأصيلية كونها تُرجع نصوص القوانين المتعلقة بإجراءات التقاضي إلى أصولها الأولى , وتعتمد على تحليل النصوص القانونية ذات الصلة بالموضوع والتقصي عنها لاستجلاء أحكامها والقصد من تشريعها , كما إنها دراسة تعتمد أسلوب المقارنة مع القوانين والقضاء الإداري في كل من فرنسا ومصر كلما كان ذلك ممكناً , للوقوف على أفضل التجارب في مجال القضاء الإداري المقارن فيما يتعلق بموضوع البحث , وسنعزز ذلك بأهم الأحكام القضائية العراقية والمقارنة التي لها علاقة بالموضوع .
خطة البحث :-
بناءً على ما تقدم سوف نقسم موضوع البحث إلى مقدمة ومبحث تمهيدي وثلاثة فصول : إذ سندرس في المبحث التمهيدي محكمة قضاء الموظفين وسيكون ذلك في مطلبين , سنتناول في المطلب الأول نشأة وتطور محكمة قضاء الموظفين , وسنبين فيه ظهور محكمة قضاء الموظفين ثم تشكيلها , أما المطلب الثاني سيكون مخصصاً لدراسة اختصاصات محكمة قضاء الموظفين , والتي سندرس فيها اختصاص المحكمة في مجال فرض العقوبات الإنضباطية ومن ثم اختصاص المحكمة في مجال حقوق الخدمة المدنية , أما الفصل الأول سنتناول فيه الدعوى الإدارية وشروط قبولها أمام محكمة قضاء الموظفين والذي قسم على مبحثين , إذ سنتناول في المبحث الأول مفهوم الدعوى الإداري والذي سنخوض أغواره في ثلاثة مطالب نبين فيها تعريف الدعوى الإدارية وبيان عناصرها , ثم نعرج إلى طبيعة الدعوى الإدارية وذلك من جهة تمييزها عن الدعوى المدنية وبيان طبيعة إجراءات الدعوى الإدارية , أما المطلب الثالث فسيكون لأنواع الدعاوى الإدارية وفقاً للتقسيم التقليدي ثم التقسيم الحديث , أما المبحث الثاني خصص لشروط قبول الدعوى أمام محكمة قضاء الموظفين وذلك في مطلبين , ندرس في الأول شروطا تتعلق بالقرار الإداري المطعون فيه من حيث وجوده وصدوره عن جهة إدارية وطنية وان يكون نهائيا (تنفيذيا) وذا تأثير في المركز القانوني لرافع الدعوى , أما المطلب الثاني فسنبين فيه شروطا تتعلق برافع الدعوى والتي سندرس فيها شرط الأهلية والصفة والمصلحة , أما الفصل الثاني فسنبين فيه إجراءات رفع الدعوى أمام محكمة قضاء الموظفين وسنخصص له ثلاثة مباحث , إذ سندرس في المبحث الأول العلم بالقرار الإداري وسيكون ذلك في ثلاثة مطالب نبين فيها نشر القرارات الإدارية والتبليغ بالقرار الإداري والعلم اليقيني بالقرار , أما المبحث الثاني فسنتناول فيه التظلم من القرار الإداري ذلك بتعريف التظلم الإداري وأهميته , وأنواع التظلم الإداري وشروطه , أما المبحث الثالث فسيكون لمدة الطعن بالقرار الإداري والذي سندرسه في مطلبين , المطلب الأول يكون مخصصاً لدراسة المدة أمام محكمة قضاء الموظفين من حيث أهمية تحديدها وسريانها وطبيعتها أمام محكمة قضاء الموظفين , أما المطلب الثاني فخصص لامتداد المدة والاستثناءات التي ترد عليها , وفي الفصل الثالث سنتناول إجراءات نظر الدعوى أمام محكمة قضاء الموظفين وسيكون ذلك في مبحثين , إذ سنبين في المبحث الأول إجراءات سير المرافعة وسلطة محكمة قضاء الموظفين وذلك في مطلبين , ندرس في المطلب الأول إجراءات سير المرافعة وذلك في ضوء تحديد يوم للمرافعة وإجراء التبليغات ثم النظر بالدعوى , أما المطلب الثاني فسندرس فيه سلطة المحكمة تجاه الطعون المتعلقة بفرض العقوبات الانضباطية أو بحقوق الخدمة المدنية , أما المبحث الثاني خصص للطعن في أحكام محكمة قضاء الموظفين , وسنتناول في المطلب الأول منه أسباب وجهة الطعن تمييزاً في الأحكام , أما المطلب الثاني فسنخصصه لإجراءات الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا من خلال بيان إجراءات الطعن ثم بيان سلطة المحكمة الإدارية العليا تجاه الطعن وسننهي بحثنا بخاتمة لأهم النتائج والمقترحات .