الخاتمة

وفي النهاية توصل البحث إلى عدد من النتائج التي تخص موقف ابن هشام من الزمخشري , ويمكن تلخيصها بما يأتي :ـ

1-         امتاز ابن هشام في أغلب مواقفه بالموضوعية , والدقة في عرض الرأي ومناقشته , فنادراً ما نجد تأثير الطابع الديني ـ العقائدي ـ على موقفه , ثم إنه لم يجنح إلى مذهب نحويّ ما تعصباً أو نزوحاً إلى هوى النفس , بل وجدناه يختار من المذهبين البصري والكوفي , وكانت هذه السمة ـ أي الاختيار من المذهبين ـ موجودة عند الزمخشري أيضاً .

2-         اتخذ ابن هشام لموقفه من الزمخشري نمطين رئيسين هما : التصريح والتلميح , سواء في المخالفة أم الموافقة , فتارة نراه يُصرّح بتأييده ودفاعه عن الزمخشري وأخرى يلمّح بذلك , وكذلك الأمر في اعتراضه وردّه عليه .

3-         اعتمد ابن هشام في الكثير من ردوده المخالفة على الصناعة النحوية القائمة على أساس القواعد النحوية العامة وأحكامها , إلاّ أنّ ذلك لا يعني أنّه أغفل جانب المعنى , لكن الزمخشري كان أكثر مراعاةً له لاسيما في كتابه الكشاف.

4-         راعى ابن هشام في مواقفه أصول النحو العربي من قياس وسماع , فقد اهتم بالشواهد القرآنية والشعرية , والحديث النبوي أحياناً , وكان يستعملها تارة لتعضيد ردّه على الزمخشري , وتارة أخرى يوظفها لتأييده .

5-         لمّا كانت أغلب المواقف تدور حول آيات الذكر الحكيم , وجدنا الزمخشري يميل إلى حمل الآيات القرآنية على التعبير الاحتمالي وتعدد الأوجه الإعرابية لاسيما في باب الأدوات النحوية , وذلك لاعتماده على المعنى بالدرجة الأولى كما أسلفنا , أمّا ابن هشام فغالباً ما يرجّح الوجه الواحد من دون الأوجه الأخرى؛لأن كتاب المغني ـ كما هو معروف ـ هو كتاب نحو،وغالباً ما تمتاز الكتب النحوية بالالتزام بالقواعد والأحكام النحوية العامة بعيداً عن تعدد التوجيهات الإعرابية .

6-         أَولى ابن هشام والزمخشري اهتماماً بالغاً بالقراءات القرآنية , فنجد الأول يستدل على صحة رأيه أحياناً بتلك القراءات , أمّا الثاني فكثيراً ما كان يبني عدداً من الأوجه الإعرابية في الآيات القرآنية عليها , ولاسيما القراءات الشاذة , إلاّ أنّ ابن هشام كان أقل استعمالاً لها من الزمخشري .

7-         اتسمت بعض مواقف ابن هشام بالطابع البلاغي , فقد كان يؤيد الزمخشري في بعض توجيهاته البلاغية للمسائل النحوية ,وأحياناً يرد عليه بما تقتضيه البلاغة.

8-         لم يقتصر ابن هشام على أخذ رأي الزمخشري من مُصنَّف واحد كتفسير      ” الكشاف ” مثلاً , فقد عمد أحياناً إلى مصنفاته الأخرى ليأخذ منها الرأي ويناقشه ويُبدي موقفه منها .

9-         لم يُصرّح ابن هشام في بعض مواقفه باسم الزمخشري , وإنما يكتفي أحياناً بذكر اسم كتابه الذي أخذ منه الرأي .

10-    تأثر ابن هشام في أغلب ردوده بأبي حيّان , فقد كان للأخير ردود وتعقبات على الزمخشري ضمّنها في كتابه ” البحر المحيط ” , فوجدنا أنّ ابن هشام كثيراً ما يرد على الزمخشري بمثل تلك الردود حتى أنّ هناك تقارباً في نصوص بعض الردود بينهما , وأمّا في مواقف الموافقة نجده في بعض الأحيان يستعمل رأي الزمخشري المؤيد له في رد أبي حيّان , كما يفنّد اعتراض أبي حيان على الزمخشري ويغلّطه أحياناً،وهذا الذي تقدم فضلاً على التقارب الزمني بين ابن هشام وأبي حيان يقوي مشيخة أبي حيان لابن هشام ويعززها ،فالأخير لم يقتصر على مخالفة أبي حيان ومنافسته كما ذكر عدد من الباحثين ـ على ما قدمنا في تمهيد البحث ـ ،وإنما تأثر به وبآرائه ولاسيما في ردوده على الزمخشري.

11-    في مواقف المخالفة نجد ابن هشام يرد على الزمخشري أحياناً بآراء غيره من العلماء ولاسيما أئمة النحو كسيبويه وغيره , وأحياناً يورد رأي عالم آخر يعترض على الزمخشري ويقوم بمناقشته والاستدراك عليه , ولا يكتفي أحياناً برد رأي الزمخشري وإنما يعترض على لغته في التأليف كاعتراضه على ما جاء في خطبة المفصّل , كذلك يعترض عليه بوجود التناقض في رأيه , مما يدل على دقة تتبع ابن هشام لآراء الزمخشري في أكثر من مكان .

12-    قد يرد ابن هشام أحد الأوجه الإعرابية التي يجيزها الزمخشري في بعض الآيات القرآنية ويؤيد الوجه الآخر , وأحياناً لا تقتصر معارضته على ما أجازه الزمخشري , وإنما على ما منعه أيضاً .

13-    في مواقف الموافقة نجد أنّ ابن هشام يؤيد الزمخشري من خلال دحضه آراء الآخرين ورد اعتراضهم , ولا يقتصر أحياناً على التأييد فحسب , بل يدافع عن رأي الزمخشري , وقد يستعمل رأيه ـ أي رأي الزمخشري ـ للرد على رأي علماء آخرين يختلف معهم , ويطوّع رأيه لإثبات ما يذهب إليه وتقريره , كذلك يورد رأي الزمخشري مصحوباً بالثناء والتقدير أحياناً .

14-    قد يكون لابن هشام في عدد من المواقف رأي آخر يخالف ما رد به على الزمخشري أو ما وافقه فيه،وغالباً ما يكون هذا الرأي في مصنفاته الأخرى،إلاّ أنه يستقر على رأيه في كتابه ” المغني” ،هذا إذا علمنا أنّ تأليفه للمغني كان في أواخر أيامه،وتعكس هذه السمة التطور الفكري وعدم التزمت بالآراء والتقيد بها عند ابن هشام.

15-    يؤخذ على ابن هشام أنه كان في عدد من المواقف يعمّم رأي الزمخشري على عدد من الآيات القرآنية , وبالرجوع الى لتفسير الكشاف نجد أنّه قال بذلك الرأي في بعض الآيات ولم يتطرق إليه في الآيات الأخرى التي ذكرها ابن هشام،فقد يسحب ابن هشام ما قاله الزمخشري في آية معينة على بقية الآيات المشابهة لها ظناً منه أنّ له الرأي نفسه فيها.