الخاتمة
بعد ان بلغنا خاتمة المطاف من هذه الدراسة ، سنبين أهم ما توصلنا إليه من نتائج ومقترحات وذلك على النحو التالي :
اولا ً : النتائج
1- ان الاستثمار الاجنبي هو عبارة عن عملية مركبة تجمع بين عناصر اقتصادية وعناصر قانونية ، لذلك لم يتفق الفقهاء الاقتصاديون والقانونيون على إيجاد تعريف جامع مانع للاستثمار الأجنبي وان كانوا جميعا يتفقون حول مفهوم واسع له .
2- تباين مواقف التشريعات الوطنية المنظمة للاستثمار بشان تعريف الاستثمار الأجنبي حيث تعددت تعريفاتها للأخير دون ان تتفق على تعريف واضح ومحدد له ، ويرجع للأختلاف في المعايير المتخذة أساسا لتعريف الاستثمار الأجنبي .
3- ان غالبية التشريعات الوطنية التي أوردت تعريفاً للاستثمار الأجنبي استعملت لفظ الأجنبي للتدليل على رأس المال الخارجي وهو لفظ مجازي أكثر منه حقيقي .
4- حسناً فعل المشرع العراقي بعدم إيراده تعريفاً للاستثمار الأجنبي كونه يمثل مفهوم نسبي يتغير ويتطور بتغير وتطور ظروف البلد الاقتصادية والسياسية .
5- لاحظنا اختلاف أنواع الاستثمار الأجنبي باختلاف المعيار الذي يستخدم في تصنيفها إلا ان أهم تقسيمات الاستثمار الأجنبي التي شغلت بال الاقتصاديين والقانونيين هو تقسيمه الى استثمار مباشر واستثمار غير مباشر، وان مناط التفرقة بينهما هو مدى الرقابة او السيطرة التي يباشرها المستثمر الأجنبي على المشروع الاستثماري , وتفضل الدولة المضيفة والمستثمر الأجنبي الاستثمار المباشر بسبب أهميته الاقتصادية لكلا الطرفين .
6- لم ينص المشرع العراقي في قانون الاستثمار رقم (13) لسنه 2006 على مبدأ المشاركة في الاستثمار ولم يحدد نسب المساهمة ولم يفوض الأمر الى الهيئة المكلفة بالإشراف على العمليات الاستثمارية وهذا يعتبر نقصاً تشريعيا يجب تلافيه .
7- يلاحظ ان التشريعات العربية قد اختلفت في تعريفها للمستثمر الأجنبي , فمنها من اعتد بصفة الأموال الأجنبية بغض النظر عن جنسية مالكها ، ومنها من اعتد بصفة المستثمر وساوى بين المستثمر الأجنبي والمستثمر الوطني ، ومنها من قصر الاستثمارات على المستثمر الأجنبي دون المستثمر الوطني ، ومنها من حدد القطاعات التي يمكن الاستثمار فيها دون تحديد المستثمر سواء كان أجنبيا أو وطنيا . ويرجع ذلك الى اختلافها في النظام الاقتصادي والسياسي التي تتبناه ، ومراعاة الحاجة الاقتصادية الى استقبال رؤوس الأموال الأجنبية من ناحية والحيلولة دون السيطرة الأجنبية على الاقتصاد الوطني من ناحية أخرى . أما بالنسبة للمشرع العراقي فانه ميز بين المستثمر الوطني والمستثمر الأجنبي من خلال الجنسية وعرف المستثمر الأجنبي بأنه الذي لا يحمل الجنسية العراقية في حالة الشخص الطبيعي ومسجل في بلد أجنبي إذا كان شخصا معنوياً ، أما المشرع العراقي في إقليم كردستان فانه عرف المستثمر من خلال نشاطه الاستثماري في الإقليم ولم يعتد بصفة الأموال سواء كانت محولة من الخارج أم لا ولا بصفة المستثمر سواء كان وطنياً أم أجنبيا .
8- بما ان قانون الاستثمار قد جاء خالياً من معالجة موضوع الشركات ، فان بالإمكان الرجوع الى الاحكام المنصوص عليها في قانون الشركات العراقي رقم (21) لسنة 1997 المعدل .
9- لم يتفق الفقهاء على تكييف عقد الاستثمار الأجنبي أهو عقد إداري أم عقد من عقود القانون الخاص او هو اتفاقية دولية ؟ إلا ان الرأي الراجح يذهب الى ان عقد الاستثمار الأجنبي هو ذو طبيعة مختلطة خاصة يجمع بين خصائص القانونين الخاص والعام .
10- ان مسؤولية المستثمر الأجنبي هي مسؤولية عقدية ولكن هذا لا يمنع من قيام مسؤوليته التقصيرية إذا ما ارتكب فعلاً يخل بالنظام القانوني العام .
11- ان الخطأ الاستثماري بوصفه ركناً من أركان مسؤولية المستثمر الأجنبي المدنية يتحقق بأخلال هذا المستثمر بالالتزامات الخاصة التي يفرضها عليه عمله الاستثماري ، سواء أكان مصدرها العقد ام القانون ؟ فأذا كانت الالتزامات عقدية فيكون التزام المستثمر الأجنبي التزام بنتيجة ، أما إذا كان مصدر الالتزامات القانون فان طبيعة التزام المستثمر الأجنبي تكون التزام ببذل عناية دائماًً .
12- لا تؤثر الطبيعة المختلطة الخاصة لعقد الاستثمار الأجنبي على تكييف الإخلال بالالتزامات الناشئة عنه ، حيث ان الإخلال بالالتزامات في هذا النوع من العقود مثله كمثل الإخلال بالالتزامات في العقود بصفة عامة يترتب عليه خطأ عقدي ، فالخطأ العقدي سواء كانت العقود مدنية أو إدارية هو عدم قيام المدين بتنفيذ التزاماته الناشئة عن العقد.
13- لا حظنا ان بعض محاكم التحكيم قد تناولت في أحكامها المقصود بالقوة القاهرة في عقود الاستثمار وتحديد شروطها وقد تبين أنها ذات شروط القوة القاهرة في القواعد العامة .
14- توصلنا الى انه إذا كان التعويض النقدي يعدّ القاعدة العامة في المسؤولية التقصيرية بشان التعويض عن الإضرار ، ففي عقود الاستثمار ، فالتعويض النقدي يشكل القاعدة العامة في التعويض في المسؤولية العقدية ، وذلك لخصوصية عقود الاستثمار وطبيعة أطرافها ، حيث ان احد أطرافها هو دولة تتمتع بسيادة واستقلال في القانون الدولي ، أما الطرف الثاني فهو المستثمر الأجنبي الذي يتمتع بقوة اقتصادية كبيرة ويملك تكنولوجيا متطورة .
15- ان المشرع العراقي قد جعل الأصل في إخضاع منازعات عقود الاستثمار للقانون المختار من قبل الأطراف استناداً للمبدأ القائل من إختار القانون اختار القاضي ، وحسناً فعل المشرع العراقي في تبنيه هذه المرونة في تحديد السلطة القضائية المختصة بحل النزاع ، حيث أعطى للإرادة دورا أصيلا في اختيار القضاء المختص وهذا ما يمثل ضمانةً قضائيةً كبيرة لتشجيع الاستثمار على إقليم الدولة .
16- توصلنا الى ان المشرع العراقي وفي قانون الاستثمار قد اعتد بالإرادة الصريحة في اختيار القانون الواجب التطبيق دون الإرادة الضمنية ، ففي حالة الاختيار الصريح يطبق القانون المختار وإلا فيكون القانون العراقي هو القانون الواجب التطبيق ، وبذلك فان المشرع العراقي قد حسم الأمر وسد باب الاجتهاد وذلك حماية للتوقعات المشروعة للأطراف وتوفير الأمان القانوني لهم .
17- لم يبين قانون الاستثمار العراقي سوى إمكانية حل المنازعات الاستثمارية بطريقة التحكيم ، وبذلك يمكن الرجوع الى الاحكام الواردة في قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 باعتباره المرجع في ذلك .
ثانياً : المقترحات
1- ندعو المشرع العراقي الى النص في قانون الاستثمار النافذ على مبدأ المشاركة في الاستثمار ( المشروع المشترك ) ، اما بتحديد نسبة المساهمة عن طريق النص عليها او ترك تحديد هذه النسبة الى الهيئة المكلفة بالاشراف على عمليات الاستثمار . حيث تمكن المشروعات المشتركة الدولة المضيفة من فرض رقابة فعلية على الاستثمار الاجنبي وذلك من خلال مشاركة ممثليها في ادارة المشروع فضلاً عن اكتساب الكادر الوطني الإداري والفني الخبرة والمهارة الكافية لإدارة وتشغيل المشروعات الاستثمارية .
2- ندعو الى تحديد نسبة المساهمة الأجنبية في الأسهم والسندات ، لان ترك هذا الاستثمار طليق دون محددات ستكون له نتائج غير مقبولة ، لذا ينبغي ان يتم في إطار لا يؤدي الى السيطرة الأجنبية على الاقتصاد الوطني من ناحية ، ولا ينقص في الوقت ذاته من القدرة الذاتية للادخار القومي على المساهمة في التنمية الاقتصادية من ناحية أخرى .
3- ندعو المشرع العراقي الى تعديل نص الفقرة ( د ) من البند ( ثانياً ) من المادة (10) من قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل لتصبح كالأتي : ( في حالة إخفاق المستثمر العراقي أو الأجنبي الذي تملك ارضاً أو عقاراً بموجب هذا القانون في تنفيذ التزاماته ضمن المدة المحددة في الاتفاق المبرم مع هيئة الاستثمار المانحة للإجازة تتولى دائرة التسجيل العقاري وبناءً على طلب من الهيئة المذكورة إلغاء التسجيل وإعادة العقار الى مالكه السابق مع تعويضه عن الأضرار التي لحقت به مقابل إعادة بدل البيع ).
4- ندعو المشرع العراقي الى تعديل نص المادة ( 27 ) من قانون الاستثمار النافذ لتصبح بالشكل الآتي : ( المنازعات الناشئة بين الأطراف الخاضعين لأحكام هذا القانون يطبق عليهم القانون العراقي مالم يتفقوا على خلاف ذلك أو تدل الظروف ان قانوناً اخر يراد تطبيقه بغير الحالات التي تخضع لأحكام القانون العراقي حصراً أو يكون فيها الاختصاص للمحاكم العراقية ) .
5- نظراً لأهمية التحكيم في حل المنازعات الناشئة عن عقود الاستثمار كونه يمثل ضمانة فعالة يلجأ إليها المستثمر الأجنبي ، ندعوا المشرع العراقي الى تشريع قانون خاص ينظم التحكيم في عقود الاستثمارات الأجنبية .
6- ان وجود نظام محايد وفعال لتسوية منازعات الاستثمار ما بين الدول المضيفة والمستثمرين الأجانب من أهم عناصر الجذب للاستثمارات الأجنبية الخاصة ، عليه نقترح على المشرع العراقي الدخول في عضوية اتفاقية المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار ICSID في واشنطن لعام 1965 .
والحمد لله رب العالمين