المقدمة
أصبح التطور المتزايد في تكنولوجيا وسائل الاتصالات في جوانب الحياة المعاصرة كافة , بما فيها الجانب القانوني , بمثابة انتقاله نوعية في عالم الاتصال والتواصل في معاملات الأفراد , لا سيما بعد ما تم تسخير هذه التكنولوجيا لصالح التجارة الالكترونية والمعلوماتية , مما ساعد الإنسان على ابتكار طرائق حديثة معاصرة ذات تقنيات الكترونية للاتصال والتبادل التجاري تختلف جذرياً عن الطرائق التقليدية السابقة. وهذا التطور نجده قد شمل أغلب التعاملات المصرفية , فظهرت فيها وسائل دفع جديدة لم تعرف من قبل , ومنها ما تسمى بـ (النقود الالكترونية) . وفي خضم انتشار التجارة الالكترونية كان لزاماً أن تتوفر وسائل حديثة تتناسب طردياً مع هذا التطور العلمي , فظهرت محفظة النقود الالكترونية لتحل محل النقود الورقية أو المعدنية ذات المقياس الواحد . حيث تغيرت النقود من حقيقة ملموسة ذات قيمة رسمية صادرة عن الحكومة المعنية إلى شكل الكتروني جديد . إذ تم تحويل العملات إلى أرقام ضوئية تمثل وحدات كمية موجودة على شاشة الكمبيوتر , هذه الوحدات تخزن في ذاكرة كمبيوترية صغيرة مثبتة على بطاقة يحملها المستهلك تسمى بـ (البطاقة الذكية), حيث تستعمل هذه البطاقة في الوفاء , وتسمى أيضا هذه البطاقة التي تخزن فيها الوحدات الالكترونية محفظة نقود الكترونية , والتي تكون ذات قيمة مالية محددة تصلح لسداد أثمان السلع والخدمات المتنوعة . لكل ما تقدم ارتأينا أن ينصب موضوع الرسالة على النظام القانوني لمحفظة النقود الالكترونية من خلال تسليط الضوء على مفهومها وأنواعها وآليات انتقالها وتداولها بين الأشخاص ودورها في الوفاء.
أولا / أهمية موضع البحث ودوافع اختياره
تكمن أهمية البحث في اتساع نطاق التجارة الالكترونية وازدياد أهميتها في التعامل بين دول العالم المختلفة , فضلاً عن انحسار التجارة التقليدية في الوقت الحاضر لما توفره التجارة الالكترونية من مزايا لا يمكن إغفالها من قبل المتعاملين بها , ومن ثم يسعى هذا البحث إلى تطبيق مفاهيم التجارة الالكترونية الجديدة من خلال الاستعانة بوسائلها وتقنياتها ومنها محفظة النقود الالكترونية التي تكون لها أهمية في مواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي بحدود وسائل الاتصالات والمعلومات . حيث تعد محفظة النقود الإلكترونية تطوراً علمياً واضحاً في وسائل الدفع عبر الانترنت , بل هي الوسيلة الأكثر شيوعاً في العصر الحديث , وقد نشأت خصيصاً لتسوية معاملات التجارة الالكترونية من خلال الانترنت . فالدفع عن طريق التحويل المصرفي أو عن طريق الكروت المصرفية وسائل عرفها الواقع التجاري قبل ظهور الانترنت. ومن هنا نجد أن الهدف من هذه الدراسة هو الإجابة على مجموعة من التساؤلات الهامة في هذا الموضوع المتزايد الأهمية في المرحلة الأخيرة والأكثر تطبيقاً في دول العالم , ومن بينها التعرف على ماهية محفظة النقود , وما خصائصها ؟ وهل هي حقاً من نظم الدفع الموجود بالفعل ؟ وما طبيعتها ؟ وهل هي نقود حقيقية أو أدوات دفع غير مباشرة ؟ وما الضرورات القانونية والاقتصادية التي تبرز تدخل المشرع لتنظيم إصدارها , وما مدى الكفاءة والسرية والثقة التي يمكن أن تتمتع بها هذه المنتجات الجديدة ؟ ومن يتولى إصدارها ؟ وما طبيعة العلاقات التي تحكم أطرافها ؟ هذه الأسئلة وغيرها نبينها من خلال مطاوي البحث.
ثانيا / مشكلة البحث
على الرغم من استعمال محفظة النقود بشكل واسع في بعض دول العالم عموماً وفي الدول الأوربية بشكل خاص , إلا أنها لم تحظ بتنظيم قانوني خاص بها , وإنما يشار إليها بطريقة غير مباشرة ضمن البطاقات المصرفية , ومن هنا تواجه الدراسة الحالية صعوبة التنظيم لها وفقاً لهذه الدول .
ولكن المشكلة الأكبر التي تواجه عموم الباحثين في هكذا مجال أنه لم نجد في العراق قانوناً موحداً , ينظم التعاملات الالكترونية الخاصة بالمحفظة على الرغم من أن الانترنت أصبح واقعاً عملياً سواء على مستوى عموم الإفراد أو الشركات, وبما أن محفظة النقود الالكترونية واحدة من أهم التعاملات الالكترونية فإن انعدام تشريع عراقي خاص بها وانعدام البحوث والكتابات الوطنية في هذا الخصوص يعد من أهم الصعوبات التي تواجه البحث , مما اضطرنا الرجوع إلى القواعد المتداولة في القانون التجاري والقوانين الأخرى ذات الصلة , ولذلك فإن البحث اتجه في تحديد مفهوم محفظة النقود الالكترونية إلى الاستعانة بالقواعد القانونية السالفة الذكر والقواعد التي تتضمنها قوانين التجارة الالكترونية الخاصة بوسائل الدفع الالكتروني .
ثالثا / منهجية البحث
نظراً لأهمية موضوع محفظة النقود الالكترونية وكيفية استعمالها عموماً , فإن منهج البحث هو المنهج التحليلي المقارن , والذي يشتمل على التشريعات القانونية الخاصة بوسائل الدفع والتجارة الالكترونية , إذ تم عرض المبادئ العامة لهذه القوانين , ومن ثم تحليلها بهدف معرفة مدى إمكانية تطبيقها على التصرفات القانونية المتعلقة بمحفظة النقود , وكذلك تحليل النصوص القانونية المتعلقة بها في التشريعات التي نظمت هذه الوسائل .
فالأسلوب المتبع في الدراسة الحالية بحدود موضوع المحفظة الالكترونية هو أسلوب البحث المقارن بين قوانين وطنية عدة في حدود ضيقة عربية أو أجنبية .
رابعا / نطاق البحث
نتناول نطاق البحث عن محفظة النقود الالكترونية في مجالين :-
المجال الأول / مصادر عامة وهو ما يقصد بها القوانين التجارية والقوانين المصرفية ومنها قانون المصارف العراقي رقم (40) سنة 2004 والقانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 وقانون سرية الحسابات المصري رقم (97) لسنة 1992 وغيرها .
المجال الثاني / مصادر متخصصة ومنها قانون البنوك الفرنسي الصادر 24 يناير 1982 والقانون الفرنسي 1991 الخاص بالصكوك ووسائل الدفع , القانون التجارة الالكتروني التونسي لسنة 2000 م , وقانون المعاملات الالكتروني البحريني لسنة 2002 , وقانون المعاملات الالكترونية الأردني لسنة 2001 , والقانون الفرنسي رقم (230/2000) الخاص بتنظيم التجارة الالكترونية والسندات والتواقيع الالكترونية .
بالإضافة إلى قوانين الدول المجاورة الأخرى والتوصيات الأوربية التي أكدت على موضوع البحث , ومنها توصية اللجنة الأوربية رقم (489) لسنة 1977 , والتوجيه الأوربي رقم (13/93) واللجنة الأوربية للجماعة الأوربية الصادرة 17 نوفمبر 1988 , والتوجيه الأوربي رقم (46/2000) وأخيراً العقود الخاصة ببطاقات الائتمان منها عقد الحامل لبطاقة تأشيرة البنك الأهلي المصري والعقد الصادر عن اعتماد ليون في فرنسا لعام 1989 فضلا عن العقد الصادر عن محفظة النقود الالكترونية الفرنسية (menoe) .
خامساً / خطة البحث
بغية إحاطة الموضوع بجوانبه كافة فقد تم قُسِمَ البحث على ثلاثة فصول :-
الفصل الأول / يتضمن مفهوم محفظة النقود الالكترونية حيث قسم إلى مبحثين الأول يتعلق بتعريف المحفظة وخصائصها والثاني يتعلق بمكونات محفظة النقود وطبيعتها القانونية .
الفصل الثاني / يتمثل بإصدار محفظة النقود الالكترونية وطبيعة العلاقات الناشئة عنها وقد تضمن مبحثين , الأول احتوى على آلية إصدار محفظة النقود الالكترونية . أما الثاني فقد تضمن طبيعة العلاقات الناشئة بين أطرافها .
إما الفصل الثالث فهو مخصص لالتزامات أطراف محفظة النقود الالكترونية يتضمن المبحث الأول التزامات المصدر, والمبحث الثاني التزامات المستهلك
وبعد الانتهاء من كل ما تقدم جاء دور الخاتمة التي أحاول أن أضمنها بعض النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث , ثم اشيرُ إلى بعض التوصيات التي أرى أنها جديرة بالاهتمام وآملُ أن أوفق في هذه الدراسة والله ولي التوفيق .