المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين محمد المبعوث رحمة للعالمين واله الطيبين الطاهرين ائمة الهدى وسفن النجاة .
إنّ بناء الامم ورقيها لا يأتي الا عن طريق ما يقوم به ابناؤها من مجهودات علمية لدفع عجلة التقدم بكافة اشكاله , فإلى جانب الانتاج المادي الذي يشكل العنصر الرئيس في عملية البناء والتقدم , يأتي الانتاج الذهني الذي لا يقل في مكانته ودوره عن الانتاج المادي , ومعنى ذلك انّ ما وصلت اليه الامم من تقدم يرجع الفضل فيه الى العلماء والادباء والمؤلفين بوجه عام , ومن الطبيعي أن يستحق فكرهم كل تقدير وحماية وهذا كله يدعونا الى دراسة وبحث هكذا نوع من المصنفات , ولإعطاء الموضوع حقه من الدراسة والبحث , يقع لزاماً علينا أن نبين موقف التشريعات المقارنة واراء الفقه وتوجهات القضاء ان تيسر ذلك , ولكن قبل الولوج في تفعيل ذلك لا بد من الوقوف على عدد من النقاط الاساسية .
اولاً : جوهر فكرة البحث :
في الحقيقة ان التأليف الجماعي يمثل احد ابرز سمات العصر خصوصاً بعد التطورات المتلاحقة التي طرأت على بني البشر فالمؤلف الفرد اصبح بمفرده لا يستطيع الاحاطة التامة بكافة التفاصيل التي يحتاج اليها عند اعداده لمصنف يحتوي على تخصصات ذات طبيعة مختلفة , الامر الذي دفعه الى التعاون مع غيره من المؤلفين من اجل تحقيق هذا الغرض وقد اثمر هذا التعاون عن ظهور نوع جديد من المصنفات عرف بأسم المصنفات الجماعية , ولما كان المصنف الجماعي ادبياً او علمياً هو ثمار تفكير الانسان ومهبط سره ومرآة شخصيته , بل هو مظهر من مظاهر الشخصية ذاتها , يعبر عنها و يفصح عن كوامنها , ويكشف عن فضائلها او نقائها لذلك كان لا بد من حماية انتاجه الذهني والدفاع عن حقوقه في وجه المعتدين عليها وذلك لما هذه الحقوق من اهمية لدى منتجها , إذ يعد الانتاج الفكري هو الاساس في حياتنا الراقية , والذي نسمو بواسطته على سائر الكائنات الحية .
ثانياً : منهجية البحث :
سنتبع في هذه الرسالة انشاء الله تعالى اسلوب المنهج المقارن , سنعقد المقارنة بين نصوص قانون حماية حق المؤلف العراقي من جهة , والنصوص المقابلة في قوانين الملكية الفكرية الفرنسي والمصري من جهة اخرى , ومقارنة ذلك كله لأغلب قوانين الدول العربية متبعين في ذلك اسلوب المقارنة الهامشية وهي كل من ( الكويت والاردن وسوريا واليمن والبحرين وقطر والسودان والجزائر والمغرب والامارات والسعودية وعمان وليبيا ) فضلاً عن قانون حماية حق المؤلف الامريكي بكونه نموذجا للأنظمة الانجلوسكسونية , كما تضمن البحث عرضاً لآراء الفقه العراقي والمصري والفرنسي في المحاور التي يمكن فيها عرض هكذا اراء , كذلك سنسلط الضوء على التطبيقات القضائية الصادرة عن القضاء العراقي والمصري والفرنسي كلما كان ذلك ممكناً .
ثالثاً : اهمية الموضوع واسباب اختياره :
يتمتع موضوع الحماية المدنية للمصنفات الجماعية بأهمية بالغة بالنسبة لصاحب الانتاج الذهني , لكون ان ما ينتجه يُعد جزء من تفكيره وترجمة لقدراته وملكاته الذهنية , فضلاً عن ذلك فأن تقدم أي شعب اصبح اليوم يقاس بمدى ما وصل اليه هذا الشعب من تعليم وثقافة وبمستوى الحماية التي تتوفر للأنتاج الفكري الوطني وقد عبر ميثاق الاتحاد الكونفدرالي الدولي لجمعيات المؤلفين عن اهمية دور مبتكري المصنفات الفكرية بالقول انّ مؤلفي المصنفات الادبية والفنية والعلمية يؤدون دوراً فكرياً رفيعاً يعم نفعه على البشرية جمعاء , ويضرب بجذوره في الزمن , ويؤثر على نمو جوهري في تطور الحضارة , ومن ثّم فأنّ على الدولة أن تضمن للمؤلف اكبر قدر من الحماية , لا تكريماً لمجهود الشخصي فحسب بل ومراعاة لخير المجتمع ايضاً.
ويمكن ايراد اسباب اختيارنا لهذا الموضوع كبحث لرسالة ماجستير والاهداف التي تبتغي الوصول اليها في النقاط الاتية :
1- لعل ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع , هو عدم وجود دراسة قانونية متخصصة متكاملة في العراق تبحث فيه من جوانبه المختلفة .
2- الحاجة الماسة لدراسة علمية قانونية تحيط بالموضوع من جميع جوانبه .
3- الاهمية البالغة للموضوع من الناحيتين النظرية والعلمية .
4- كذلك فأنّ الدليل الصادر عن منظمة اليونسكو بخصوص حقوق المؤلف قد اكد على انّ المصنفات الجماعية و كذلك المصنفات المشتركة في طليعة الموضوعات التي تكون جديرة بالبحث كرسائل ماجستير واطاريح للدكتوراه .
5- تهدف الدراسة الى التعريف بالمصنفات الجماعية , وسنتناول بدراسة مستفيضة كيفية اعداد المصنفات الجماعية وطرق ابداعها , فضلاً عن معرفة ما هي الجهة التي تتمتع بالحقوق الناشئة عن هذه المصنفات.
كذلك سنتناول الشروط الواجب توافرها في هذا النوع من المصنفات كذلك سنبحث في المعايير التي اعتمدت للتمييز بين المصنف الجماعي والمصنف المشترك كذلك التركيز على الخلاف التشريعي الكبير الذي حصل بين الانظمة اللاتينية والانكلوسكسونية حول مدى امكانية عدّ الشخص المعنوي مؤلفاً , كما يهدف البحث الى بيان وسائل حماية حق المؤلف والتي تتمثل بنوعين هما : الحماية الاجرائية والحماية الموضوعية للمصنفات .
رابعاً : نطاق البحث :
انطلاقاً من العنوان الذي تم اختياره ليكون موضوع البحث وهو الحماية المدنية للمصنفات الجماعية آثرنا تقسيمه على فصلين على ان ندرس في مبحث تمهيدي تحديد مفهوم المصنفات .
اما الفصل الاول سنبحث فيه مفهوم المصنفات الجماعية وتقسيمه على مبحثين , نتناول في المبحث الاول التعريف بالمصنفات الجماعية , اما المبحث الثاني سنخصصه للتمييز بين المصنفات الجماعية والمصنفات المشتركة في حين سنخصص الفصل الثاني لطرق الحماية المدنية للمصنفات وهو ايضاً سيكون على مبحثين :
الاول نتناول فيه الحماية الاجرائية للمصنفات اما المبحث الثاني سنخصصه للحماية الموضوعية , ونختم دراستنا بكلمة موجزة , تسلط فيها الضوء على النتائج الرئيسة التي توصلنا اليها , فضلاً عن التوصيات التي نراها مناسبة وموضوع البحث والله ولي التوفيق .