ملخص الرسالة
تبحث الدراسة في تقنية من تقنيات الخطاب الأدبي, وتعني البحث في الكيفية التي يطرح فيها المتكلم خطابه للمتلقي؛ ليضمن تحقيق غاياته ووظائفه عبر إيصال الكلام واضحاً ومصوّراً, ومؤدّياً إلى الإقناع والتصديق.
والتمثيل تقنية خطابية, تُعنى بالخطاب الأدبي عامة والشعري خاصة, إذ تؤسس له واقعاً حقيقياً انطلاقاً من واقعه المتخيّل عبر التواشج بين الإقناع والإمتاع, فهو عندما يمثل يُقنِع بالفكرة من جانب ويُمتِع ويُطرِب من جانبٍ آخر, كونه حُجّة تُثبت حقيقة أو تحتج لأمر معين عبر علاقة المشابهة. وفكرته قائمة على علاقة بين فكرتين مختلفتين, بنية الموضوع وبنية الحامل, تحفز هذه العلاقة المتلقي على البحث واكتشاف المعنى المخفي وراء الصورة التمثيلية للحصول على علاقاتٍ ومعانٍ جديدة.
رُسِمَتْ خُطّة هذه الدراسة في ثلاثة فصول, سُبِقَت بتمهيد ولُحقت بخاتمة, ضمّت أبرز النتائج التي توصل إليها البحث. أما التمهيد فكان يحمل عنوان “التمثيل وأبعاده الحجاجية”، وقد درست فيه التمثيل لغةً واصطلاحاً, مُحاوِلةً تتبع جذوره عند البلاغيين القدماء الذين كانوا يدرسونه كجنس بلاغي مثل الاستعارة والشبيه والكناية, وصولاً إلى أن أصبحَ نظرية يُشار لها بالبَنان, تُعنى بالخطاب البلاغي ككل لا يتجزأ من أجل توصيل المعنى واضحاً ودون غموض للمتلقي, ثم عرجت على حجاجيته, وقد وجدت أنها تكمن في مقابلته بين بنى متشابهة وإن كانت من مجالاتٍ مختلفةٍ.
وبحثت في الفصل الأول “استراتيجية الإقناع في التمثيل الحجاجي في شعر الغزل العذري”, ويتحقق الإقناع بالتمثيل عبر القياس بين بنية الموضوع وبنية الحامل, أي قياس المفهوم الناتج من بنية الحامل ليوجه الدلالة في بنية الموضوع ويتولد معه المفهوم الثاني الذي يملأ المحل الشاغر فيرد على الكلام انسجامه وبحصول هذا الانسجام يتم الإقناع.
أما الفصل الثاني, فقد كان مخصصا لدراسة “أشكال التمثيل الحجاجي في شعر الغزل العذري”, وورد التمثيل بثلاث أشكال تصورية بناءً على حضور أو غياب أحد عناصره.
وخصصت الفصل الثالث لدراسة “وظائف التمثيل الحجاجي في شعر الغزل العذري”, وتظهر وظيفة التمثيل في الخطاب عندما يضطر التصوير, المتلقي إلى التسليم بالمفهوم الأول الحاصل من الصورة؛ كونه من عالم خطابه, ويدفعه إلى استنتاجها انطلاقاً من المفهوم الأول, ويعني ذلك إن تأجيل الاعتراض بوساطة الانتقال بالمعنى من الحقيقة إلى المجاز يستدرج المتلقي إلى القبول بالأطروحة التي تعرضها عليه الصورة.
وفي الختام, فالكلام السابق ينطبق على الشعر العربي جميعه, أما ما ينفرد فيه شعر الغزل العذري الذي هو متن الدراسة, إن قوة تمثيله تكمن في اختيار هؤلاء الشعراء المشاهد الحركية في أشعارهم, وهذه حجة تجعل الصورة حية مرئية أمام المتلقي وتجعل حضورها في ذهنه أعمق ووقعها عليه أشد.