المــــــقدمــــــــــــة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه اجمعين محمد الصادق الأمين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين أولي المكارم والجود وصحبه ومن أتبعهم وجاهد معهم بأحسان الى يوم الدين .
سجل لنا التاريخ الإسلامي صور رائعة عن ظاهرة مدن الأمصار، فكانت الكوفة احدى تلك الامصار العربية الإسلامية واهمها ، التي تأسست لتكون قاعدة عسكرية ومركز لتموين الفتوحات العربية الإسلامية في المشرق ، وذلك لتمتعها بمميزات ساعدتها على امتلاك هذه الأهمية، فقدر لهذه المدينة ان تتبوء مركز الصدارة في قيادة العالم الإسلامي وحضيت بقدوم وصي الرسول (J) ، فهنا كانت الانعطافة في مسار التاريخ الإسلامي لتكون حاضرة الدولة الإسلامية ومعقل من معاقل التشيع والموالاة لأمير المؤمنين ( A) ،وأصبحت صفتها المطلقة على مر العصور .
لا غرو ان مدة خلافة امير المؤمنين ( A) كانت وما زالت ،اهم المدد في التاريخ اذ مثلت الأهم والأفضل في التطبيق الصحيح لمسار الدين الإسلامي الحنيف الذي جاء به رسولنا الأعظم (J) .
على الرغم من كثرة الدراسات السابقة التي تناولت مدينة الكوفة وركزت على الجوانب الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية فيها، فقد ارتأت الباحثة دراسة (( موقف أهل الكوفة من الاحداث السياسية في خلافة الامام علي بن ابي طالب( A) (35-40 هـ) )) ،فيعد هذا الموضوع من الموضوعات المهمة في تاريخنا العربي الإسلامي، لما يحمل في طياته من احداث تاريخية وسياسية في غاية الأهمية على مسرح التاريخ الإسلامي ،وبما ان تاريخ مدينة الكوفة ومواقف أهلها بشخوصهم وقادتهم الذين مثلوا الثقل الأكبر في قيادة حركة التاريخ في العالم الإسلامي قد ارتبط وتجلى بصورة اكثر وضوحاً في عهد الامام علي( A)،فقد شكل هذا دافعاً قوياً لاختيار الموضوع .
ومن هنا فأن دراسة موقف اهل الكوفة الذين لعبوا دورا كبيرا على صعيد الاحداث السياسية ، وشكلوا الركيزة الأساسية والدعامة الصلبة بوجه الظلم من اكثر الدراسات ضرورة وحاجة لما اشتملت عليه من خطورة الاحداث ، ومن اجل الوقوف على تفاصيل اعمق في هذا الموضوع من الناحية السياسية .
وفي حدود أطلاعي على دراسات سابقة لدراستنا ،وجدت دراسة واحدة هي رسالة ماجستير في جامعة بابل بعنوان ((الاتجاهات السياسية القبلية في الكوفة في العصر الاموي (41-65هـ /661- 684م ) للباحث أسامة كاظم عمران الطائي والتي تضمنت بيان الاتجاهات السياسية للقبائل الكوفية في عهد الخلافة الاموية ، والتي أفادت الدراسة وشكلت معينا ًرئيساً للوصول الى المصادر ذات العلاقة بالدراسة ،فجاءت دراستنا نقطة بداية لها ، وهنا ولابد من تنويه ان دراستنا لم تقتصر على بيان موقف اهل الكوفة من الاحداث السياسية فقط بل تعداه الى دراسة الجوانب المحيطة والمؤثرة بأبعاد الموضوع ، وحسب اعتقادي هذا ما تطلبه دواعي الرسالة حسب عنوانها .
اقتضت طبيعة الدراسة ان تقسم على مقدمة وأربعة فصول وخاتمة تضمنت اهم ما توصل اليه البحث من نتائج وقائمة بأهم المصادر والمراجع .
تطرق الفصل الاول الى التركيبة الاجتماعية للمجتمع الكوفي وهجرة القبائل وموطن استقرارها، واتجه البحث في المبحث الأول الى دراسة عناصر المجتمع القبلي الكوفي وما تضمنه من فئات مختلفة ، اما المبحث الثاني بحث في دراسة بداية هجرة القبائل وموطن استقرارها، وتطرق المبحث الثالث الى التقسيم القبلي بفرعيه العدناني والقحطاني والوقوف على التسلسل النسبي لكل قبيلة .
أما الفصل الثاني فقد جاء لدراسة موقف اهل الكوفة من حرب الجمل ، تضمن المبحث الأول فيه بيان موقف اهل الكوفة من مقتل الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه ) وبيعة الامام علي ( A) واصلاحاته الإدارية الذي شكل منطلق الاحداث المتمثلة في عصيان والي الشام وتمرده على شرعية الخلافة ،اما المبحث الثاني فقد تناولنا دور الاعلام الاموي الضال وألاساليب التي اتخذت لتدوير الأمور وتوجيهها لتصب في مصالحهم الخاصة ، وتضمن دراسة الأثر الإعلام العلوي ومحاولاته الساعية الى السلام واتحاد وحدة كلمة المسلمين وموقف الامام الحسن ( A) والصحابة والتابعين (رضي الله عنهم)، بينا فيه ابرز الأمور التي طرأت واستقرت في نهاية المطاف الى مواجهة الناكثين لبيعة الامام علي ( A)، وقد تطرق المبحث الثالث الى موقف القبائل الكوفية من حرب الجمل وحاولنا اظهار أنموذجاً واضحاً لمشاركة كل قبيلة .
اما الفصل الثالث فقد تناول موقف اهل الكوفة من حرب صفين وتوزع على ثلاثة مباحث ، تطرق المبحث الأول الى ألاسباب التي دعت الى اختيار الكوفة مقراً للعاصمة العربية الإسلامية ، فضلا عن تطرقه الى اهمية الاعلام وتأثيره القوي على مسار الحروب فقد ارتأينا دراسته بشئ من التفصيل لكلا الطرفين ، اما المبحث الثالث فقد سلط الضوء على موقف القبائل الكوفية الذي شكل الدعامة القوية لجبهة امير المؤمنين ( A).
في حين تضمن الفصل الرابع موقف اهل الكوفة من حرب النهروان، وتوزع على ثلاثة مباحث ركزت الدراسة في مبحثها الأول على قضية التحكيم واثرها في ظهور فئة الخوارج ، اما المبحث الثاني تناول أصول الخوارج وتسمياتهم وموقف اهل الكوفة وأصحاب النفوذ فيها ،فاتجه المبحث الثالث الى دراسة موقف اهل الكوفة من حرب النهروان والاحداث السياسية التي تلتها ،و تمثلت بالغارات التي قام بشنها معاوية على ولايات الامام علي ( A) ، ومن ثم المؤامرة التي دبرت في الخفاء لقتل امير المؤمنين ( A).
ولأجل اعداد هذه الدراسة تطلب منا الاستعانة بمجموعة من المصادر والمراجع التاريخية التي أفادت الدراسة كثيرا ومن أهمها :
تحليل المصادر :
اولاً : كتب الحديث الشريف :
اعتمدت الدراسة على كتب الحديث الشريف، والتي تعد المصدر الثاني من مصادر التاريخ الإسلامي بعد القرآن الكريم لما شملت من معلومات مهمة رفدت البحث بحقائق ثابتة كان من أهمها كتاب مسند الامام احمد بن حنبل(رضي الله عنه) لأحمد بن حنبل ( ت241 هـ / 855 م) ، ومن الكتب الأخرى والتي عرفت بكتب الصحاح والسنن منها صحيح البخاري ( ت256 هـ / 869 م) ، وكتاب سنن ابن ماجة ( ت 275 هـ / 889 م) .
ثانياً : كتب التاريخ العام :
رفدتنا كتب التاريخ العام بالكثير من المعلومات التي تخص الاحداث السياسية ، والتي كانت في الواقع محور الدراسة وقد أفادت فصولها على الاطلاق ، يأتي في مقدمتها كتاب الامامة والسياسة لابن قتيبة ( 276 هـ/ 889 م) ، وكتاب الاخبار الطوال للدينوري ( 282هـ / 895 م ) الذي يعد مصدراً مهماً في نقل تفاصيل الحروب والأحداث السياسية والرسائل المتبادلة بين الامام علي ( A) ومعاوية؛ فضلا عن ذلك نجده ينفرد في ذكر بعض الاحداث وأسماء الشخصيات ، الا ان ما يؤخذ على كتابه انه يذكر الرواية التاريخية دون اسناد، وكتاب تاريخ اليعقوبي للمؤرخ اليعقوبي (ت 292هـ/905 م ) الذي يحتوي على معلومات وافية عن خلافة الامام علي ( A) والجوانب السياسية منها وولاة الامصار ، وكتاب تاريخ الأمم والملوك للطبري (ت310 هـ / 922 م) الذي يعد من المصادر العامة والاساسية لدراسة التاريخ الإسلامي فجاءت احداثه مرتبة حسب السنوات ، اذ نقل لنا وقائع الحروب وموقف القبائل الكوفية، وكتاب البدء والتاريخ للبلخي (322هـ /9934م) اذ قدم هذا الكتاب نصوصا ارتسمت عليها الموضوعية في ايراد الرواية التاريخية لذا كانت لنصوصه حضور ملحوظ في دراستنا ، ، وكتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر للمسعودي (ت346هـ /958 م) الذي يعد من المصادر المهمة في التاريخ العربي الإسلامي وقد افاد الدراسة بكثير من رواياته لأنه يتسم بالاعتدال في ايراد المعلومة ، وكذلك لانفراده في ذكر بعض الروايات فيما يخص مقتل امير المؤمنين ( A)، وكتاب الكامل في التاريخ لابن الاثير ( ت 630 هـ / 1232 م) الذي جاءت رواياته متوازية ومتشابه في مادتها الى حد ما مع روايات الطبري في ايراد الاحداث التاريخية منذ الهجرة والحقبة اللاحقة ، كما اعتمدت الدراسة على عدد من مصادر التاريخ العام الأخرى .
ثالثاً : كتب الطبقات وتراجم الرجال :
كانت لهذه الكتب نصيب كبير في دعم الدراسة بمعلومات قيمة عن عدد من الشخصيات الواردة في متن الدراسة ،وعالجت مواقف الصحابة والتابعين طبقة طبقة ، ومن اهم هذه الكتب كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد ( ت230 هـ /844 م) الذي أفاد الدراسة بذكر الصحابة والتابعين الذين اتخذوا من الكوفة مسكناً ومستقراً لهم ،فضلا عن ذلك فقد اغنى الدراسة بتراجم عديد من الشخصيات ، وكتاب الاستيعاب في معرفة الاصحاب لابن عبد البر القرطبي ( ت 463 هـ / 1070 م) ، وكتاب اسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الاثير ( ت630 هـ / 1232 م) ، وكتاب سير اعلام النبلاء للذهبي ( ت748 هـ/ 1348 م ) الذي امد البحث فضلا عن تراجم الشخصيات بمعلومات هامة عن الاحداث السياسية ، وكتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني ( ت 852 هـ/ 1448 م) وغيرها من كتب التراجم .
رابعا ً :كتب الانساب :
وقد استعانت الباحثة بجملة من كتب الانساب التي لا غنى عنها في تتبع التسلسل النسبي لكل قبيلة منها كتاب جمهرة انساب العرب لابن حزم الاندلسي (ت 456 هـ/ 1064 م) الذي امد الدراسة بمعلومات مهمة عن انساب القبائل ، وكتاب الانساب المتفقة لابن القيسراني ( ت 507 هـ / 1196م) ،وكتاب الانساب للسمعاني ( ت562 هـ /1166 م) ، وغيرها من الكتب .
خامساً : كتب الفتوح :
تعد كتب الفتوح من المصادر المهمة التي اعتمدت عليها الدراسة ورفدت البحث بروايات تخص الجانب السياسي منها كتاب فتوح البلدان للبلاذري ( ت279 هـ / 892 م) الذي انفرد بذكر مسار الفتوحات العربية الإسلامية وتخطيط المدن ومعالمها العمرانية ، وكتاب الفتوح لابن اعثم ( ت314 هـ/ 926 م) الذي انفرد بذكر بعض الروايات التي زادت من ترصين الدراسة .
سادساً : الكتب الجغرافية :
تعد كتب الجغرافية ومعاجمها من الكتب الهامة في معرفة مواقع البلدان والمدن والاقاليم وتكمن أهميتها في احتواء اغلبها على ذكر الاحداث التاريخية ومن نماذجها كتاب البلدان لليعقوبي ( ت292 هـ / 905 م) ،ومن المعاجم الجغرافية كتاب معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع للبكري ( ت487 هـ/ 1094 م) ، وكتاب معجم البلدان لياقوت الحموي ( 626 هـ / 1228 م) والذي امتاز باتساع مادته الجغرافية في المقام الأول ومن ثم ذكر الاحداث التاريخية ، وكتاب مراصد الاطلاع في معرفة أسماء الأمكنة والبقاع لابن عبد الحق البغدادي ( 739هـ/ 1339م) الذي جاء في حقيقة الامر مختصر لكتاب معجم البلدان ، فكانت الإفادة منه في تحديد وتعريف مواقع المدن الواردة في الدراسة .
سابعاً : كتب الملاحم والفتن :
أسهمت هذه الكتب في رفد الدراسة بمعلومات مهمة بما احتوت على روايات دقيقة عن الفتن والوقائع والحروب التي خاضها الامام علي ( A)ضد الناكثين والقاسطين والمارقين ، ومنها كتاب الجمل وصفين والنهروان لابي مخنف (ت 157هـ / 773 م) فقد امتازت رواياته بالدقة بوصفه اخباري كوفي أولا ،ولقرب فترة حياته من الاحداث السياسية ثانياً ، لذلك نجد لرواياته بصمة واضحة في جميع فصول الدراسة ، وكتاب الفتنة ووقعة الجمل للضبي ( 200هـ/ 810 م) تناول احداث الفتنة ومقتل الخليفة عثمان بن عفان وموقف الامصار من تلك الفتنة وجاء على ذكر احداث حرب الجمل بشكل مفصل فغطت المادة العلمية للفصل الثاني، وكذلك كتاب وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري (212 هـ/827 م) الذي سلط الضوء على احداث حرب صفين وعني بتسجيل احداث حرب صفين بشئ من الدقة والاتساع في ذكر المعلومة ، فقد افاد الدراسة في فصلها الثالث . اما كتاب الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة للشيخ المفيد ( ت 413 هـ /1022 م) الذي يعد من الكتب المهمة التي افادت الدراسة في ذكر احداث معركة الجمل .
ثامناً : المعاجم اللغوية والكتب الأدبية :
اعتمدت الدراسة على بعض المعاجم اللغوية التي رفعت الغموض عن بعض المفردات وشرح وتفسير الالفاظ منها كتاب مختار الصحاح للرازي (ت 660هـ / 1263 م) ، كتاب لسان العرب لابن منظور ( ت711 هـ / 1311م) ، وكتاب القاموس المحيط للفيروز آبادي ( ت817 هـ / 1414 م) .
اما المصادر الأدبية فهي الأخرى التي لا يمكن الاستغناء عنها في مجال التاريخ الإسلامي ففيها كثير من الحقائق التاريخية التي يستطيع الباحث ان يستنتجها منها ، فكتاب الكامل في الادب واللغة للمبرد ( 281هـ / 894 م) الذي افاد الدراسة بذكر اخبار الخوارج والكثير من الأمور المتعلقة بهم ، وكذلك كتاب العقد الفريد لابن عبد ربة ( 328هـ / 939م ) فقد تعرض لذكر الحياة الاجتماعية والسياسية للقبائل العربية بفرعيها العدناني والقحطاني.
وقد احتوت الدراسة على كثير من المصادر التاريخية التي لا يسعنا ذكرها وأثبتت في قائمة المصادر والمراجع .
تاسعاً: المراجع.
شملت الدراسة على العديد من المراجع المهمة التي ساهمت مساهمة كبيرة في اغنائها بالاراء السديدة ، وفتحت افاق جديدة في ميدان البحث ،منها كتاب الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة في القرن الأول الهجري لمحمد حسين الزبيدي ، وكتاب إدارة العراق في صدر الإسلام لرمزية خيرو ، وكتاب تاريخ الكوفة للبراقي وغيرها من المراجع ، اما المراجع المعربة التي أفادت الدراسة كثيراً والتي تعد فريدة في مجال ذكر خطط الكوفة وموطن استقرار القبائل فيها ، الا وهو كتاب خطط الكوفة وشرح خريطتها للمستشرق الفرنسي ماسينيون الذي قدم لنا خارطة توضح طوبوغرافية مدينة الكوفة القديمة ، وكثير من الجوانب التاريخية والسياسية لهذه المدينة .
وأخيراً أسأل الله تعالى ان يكون هذا العمل خالصاً لوجه الكريم وخدمة للعلم وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه أنيب وأخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.