أثر السياق في توجيه أساليب النحو في القرآن الكريم

علي عبد الأمير هبن العابدي لغة القرآن وآدابها

الملخص

تناولت هذه الدراسة نظرية السياق عند اللغويين من العرب والغرب القدامى والمحدثين ممن ايقنوا تماما أثر هذه النظرية في فهم الخطاب بوصفها آلية إجرائية هدفها حيازة المعنى وتقييد الدلالة وتتمثل النظرية بأنواع من السياقات هي : السياق المقالي أو اللغوي والسياق الخارجي أو سياق الموقف وما يلحق بالثاني من أنواع فرعية تتمثل بالسياق الاجتماعي والثقافي والعاطفي وذلك بناءً على ما جاء من تقسيمات وضعت في ضوء الاطار النظري عند المحدثين وتسليط الضوء على ما وجد من ملامح لهذه النظرية عند العرب قبل أن يؤطر لها أصحاب الدرس الحديث من اللغويين والخروج من عرض هذه الملامح ومقارنتها بالاطار الحديث الى الأثر الكبير لعلماء اللغة العرب في خروج هكذا نظرية مكتملة الأطراف في الدرس الحديث .
ويشمل السياق الخارجي على سياقات مختلفة ومتعددة فالسياق الاجتماعي يتعامل مع مجموعة من العلاقات الرابطة بين المتحدث والمتلقي وسياق الموقف أو سياق الحال يشتمل على الظروف والملابسات التي تكون مصاحبة للنص من سبب النزول ومناسبة القول ونوع الحادثة التي يكون لها الأثر في التوجيه الدلالي للأسلوب النحوي في القرآن الكريم .
ولكل نوع من أنواع السياق خصوصية فالسياق المقالي يبرز بوساطة البنية النحوية وعلاقات الكلمات ومواقعها من حيث التركيب والتقديم والتأخير والذكر والحذف وزمان الفعل ماضيًا كان أو مضارعًا أو أمرًا ويضاف الى هذه السوابق واللواحق والزوائد فكل زيادة في المبنى تنتج زيادة في المعنى .
وأما بالنسبة للخطاب القرآني فقد كان لتباينه الأثر الكبير في اختلاف الدلالة وتوجيه المعنى وذلك لأن الاختلاف في الخطاب ناتج عن اختلاف رتبة المخاطبين ومن اختلاف سياق حالهم فخطاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يختلف عن خطاب باقي الرسل عليهم السلام وخطاب المؤمنين يختلف عن خطاب المشركين وهذا الاختلاف في الخطاب يؤدي الى اختلاف في الدلالة السياقية فيما يخص الأخبار والطلب وينتج لنا دلالات غير التي وضعت في أصل الاستعمال خارج السياق القرآني كالوعيد والإرشاد والتحقير والتعظيم والسخرية ومجيء الاستفهام بمعنى الأمر والتمني بمعنى الترجي والتعجب بغير أفعال التعجب القياسية والقسم بغير أدوات القسم واكتساب صور سياقية جديدة في القرآن الكريم لدلالات ناتجة عن شخص المخاطب كما في : يا أيها النبي ويا أيها الناس ، فجاءت هذه الدراسة لإبراز هذه المعالم عن طريق توظيف نظرية السياق في أساليب النحو في القرآن المجيد وكشف أثر السياق في التوجيه الدلالي .
ولقد عمدت في هذه الدراسة الى عدم الاكتفاء بالتنظير لهذه النظرية وإنما جعلت من أساليب النحو العربي ميدانًا لتطبيق هذه النظرية والكشف عن أثر التحولات الدلالية في آيات القرآن الكريم وذلك بتوظيف عناصر وأقسام النظرية في الأمثلة والشواهد القرآنية وذلك بالطبع تضمن بحث هذا الأثر في الأساليب النحوية فكان الهدف ابراز الدلالات السياقية التي تتضمنها المفردة وذلك باشتراكها مع الوحدات اللغوية الأخرى الواردة معها في النص المعالج فتكون الدلالة السياقية ناتجة بفعل التحاق الجزء بالكل والجملة بالنص وترك الدلالة الموضوعة في أصل الاستعمال للمفردات خارج السياق في ضوء الاستعمال وكل ذلك يتمثل في محور رئيس هو : السياق والذي يشمل البنية الداخلية والتركيب النحوي وكذلك المؤثر الخارجي فتكون بالسياق انتقالة من الكفاية النحوية الى الكفاية التواصلية فقد اثبت السياق جدارة منقطعة النظير في الكشف عن المعنى والترجيح بين الدلالات المحتملة فكان كفيلًا بالكشف عن المقصود والغرض من أساليب الخبر وأساليب الطلب في القرآن الكريم وأن بحث أثر السياق في الأساليب النحوية في القرآن الكريم له خصوصية متفردة ذلك أن المثال أو الخطاب القرآني حمال أوجه إذ تتعدد عنده الوجوه بتعدد السياقات مما يكون له أثر في توجيه الدلالة السياقية وتباينها .