حسن عبد الهادي رشيد دواد | الشريعة والعلوم الاسلامية |
المُستَخْلَصُ
يُعَدُّ موضوعُ (المناهجِ التفسيريّةِ) مِنَ الموضوعاتِ التي راجَتْ مؤخَّراً وتبَلوَرَتْ وَتنامَتْ مسائله عندَ المعاصرينَ ببركةِ ما بَذَرَهُ المتقدّمونَ مِن قضاياه؛ لما لهُ مِن أهميّةٍ أساسيّةٍ في العمليّةِ التفسيريّةِ بالنسبةِ للمُفسّرينَ، وأهميّةٍ مِعياريّةٍ عندَ الدارسينَ في تقييمِ التفاسيرِ وتصنِيفِها، وبعدَ أنْ أخَذَتْ مسائلُ المناهجِ التفسيريّةِ بالاتّساعِ، بادرَ المُختصُّونَ الى إفرادِهِ بالدراسَةِ عَن مباحِث علومِ القُرآنِ الكريمِ بعدَ أنْ كانَ جُزءاً مِنها ، وأصبحَ عنوانُ (مناهجِ التفسيرِ) شامِلاً لقضايا عديدةٍ ومتنوّعَةٍ، فأُلِّفَتْ في هذا العُنوانِ وما يَقرُبُ منهُ كُتبٌ كثيرةٌ، ودُوِّنَتْ رسائلُ وبحوثٌ عديدةٌ، تناولَتِ المناهِجَ التفسيريّةَ مِن حَيثياتٍ مُتنوّعَةٍ؛ كتعريفِ المفاهيمِ، وتصنيفِ التفاسيرِ ونقدِها وتقييمِها، وتحديدِ المناهجِ والطّرقِ والأساليبِ والاتّجاهاتِ وغيرِها.
ومعلومٌ بأنَّ أيَّ عِلمٍ وفَنٍّ في جِدَّتِهِ وطَورِ تنامي مَسائلِهِ تختلِفُ أنظارُ المتخصِّصينَ فيهِ مِن ناحيةِ التنظيرِ والتقعيدِ والتأصيلِ، فحَصَلَ فيما بينَهُم اختلافٌ في توظيفِ تلكَ المفاهيمِ وتقسيمِها، ممّا جعلَ مُنتجاتِهِم -مؤلفاتٍ وبحوثاً- تقَعُ في إشكاليّةِ الخَلطِ والتداخُلِ مِن ناحيةِ توظيفِ المفاهيمِ التوصيفيّةِ والتصنيفيّةِ، ومِن ناحيةِ نماذجِ التقسيمِ وإقحامِ بعضِها في البعضِ الآخَر؛ لأسبابٍ عديدةٍ أهمُّها: اختلافُهُم في المباني، أوِ الخلطُ في المصاديقِ وغيرِها، وقَد أدّى هذا الى وقوعِ المتلقِّي -الدارسِ والباحِثِ- في اللّبسِ والإيهامِ في تحديدِ المنهَجِ وأقسامِهِ عَنِ الأسلوبِ والاتّجاهِ واقسامِهِما، فكانَ لابُدَّ مِنَ الوقوفِ على دلالةِ تلكَ المفاهيمِ عِبرَ عرضِ الآراءِ حولَها، ومُناقَشتِها بالتحليلِ والنّقدِ والمُقارنَةِ، ومُطاردةِ جذورِ المفاهيمِ وتحديدِ أصيلِها عَنِ الدّخيلِ الوافِدِ، وبيانِ أثَرِ ذلكَ على التفسيرِ بِما هُوَ نظريّةٌ وبِما هُوَ تطبيقٌ وبِما هُوَ مُنتَجٌ مُتمَثِلاً بالمدوَّناتِ والتفاسيرِ. وحتى تُعالَجَ إشكاليّةُ الخَلطِ والتداخُلِ يجِبُ التمييزُ بينَ المفاهيمِ التي تَخُصُّ مرحلةَ بناءِ المنهاجِ التفسيريِّ مِن قِبَلِ المفسِّرِ وما تتوافَرُ عليهِ مِن قضايا ذاتَ عَلاقةٍ(اصطُلِحَ عَليها بالمرحلَةِ القَبْليّةِ) وما بينَ المرحلةِ التي تخصُّ الدارسينَ في التفاسيرِ وتجلِيَتِهِم دورَ المُفسِّرِ وتقييمِ أدائهِ، وكشفِهِم عَن منهاجِهِ واتّجاهِهِ وأُسلوبِهِ في ضَوءِ مفاهيمَ معياريّةٍ تُعتَمَدُ في وَصفِ التفسيرِ وتصنيفِهِ تحتَ أحَدِ نماذجِ التقسيمِ المُعتَبَرةِ(واصطُلِحَ على هذهِ المرحَلَةِ بالبَعديّةِ)، فكانَ لكُلِّ مرحلةٍ اصطلاحاتُها ومفاهيمُها التي ينبغي اعتمادُها مِن دونِ خَلطٍ أو تداخُلٍ أو توظيفٍ مَبنيٍّ على التجوُّزِ والتسامُحِ بما يؤدّي إلى الإرباكِ والإيهامِ