كرّار جواد كاظم | فلسفة في ( لغة القرآن وآدابها ) |
خلاصة
إن لكل دراسة هدف، وهدف دراستنا أن نتوقف عند منهج جديد يتعامل مع النص القرآني بتفسيره اياه والوقوف على دلالاته ومقاصده التي يمكن ان يُتَوصل إليها من طريق ذلك المنهج بآلياته التي يتبعها، ورب سائل يسال عن المراد من عنوان الدراسة وهو الاسلوبية البنيوية منهجا تفسيريا؟ فحتى نقف على ملامح المنهج ومظاهره وتطوراته وما آلَ إليه هذا المنهج والى أي زمن كان يعود، ذهبنا الى تتبع ملامحه في التراث العربي من تفسير وعلوم قران وبلاغة ونقد، من ثم ذهبنا الى دراسة تطوره حتى أصبح مظهرا عند اصحاب الجهود التقليدية وتتبعنا تطوره، ذاهبين الى المجددة من الدارسين في النص القرآني، ثم نضجت تلك المظاهر وتحول الى منهج فعلي للدراسة عند المحدثين فما كان عند القدامى والمقلدة من قارئ عمدة خارج النص أو يستعان به من قبل الكاتب صار الآن عند المحدثين القارئ العمدة هو الكاتب نفسه، وهذا يعد تطورا في المنهج وتتبعا للأفكار، وحتى يكون المنهج ذا وضوح كامل لابد من ان يكون هنالك مثال لهذا المنهج متكامل يستوعبه بكل مفاصله وآلياته وأسسه لذا كان انضج هذه التجارب واكملها وفق المنهج الاسلوبي البنيوي هو كتاب الميزان للطباطبائي رحمه الله لذا كانت تتمة العنوان هو الميزان للطباطبائي مثالا، ما أود قوله أن الجزء الاول من الدراسة أو من العنوان يعنى بتنظير الدراسة والتثبت من المنهج وآلياته وطرق التعامل به مع النصوص وتتبع صوره واشكاله وكيف ظهرت له ملامح منذ القدم عند الكُتّاب والبلاغيين والمفسرين والمشتغلين على علوم القران ثم تطورت هذه الملامح وتكاملت بعض الشيء لتصبح مظاهر واضحة بين طيات كتب الدارسين الى أن وصل غاية تطوره فاصبح منهجا عند المحدثين والمجددة، ولعل سائل يسال لماذا كان مثال هذه الدراسة الميزان ولم يكن غيره وهل أن غير الميزان من كتب التفاسير الحديثة كان هذا المنهج يشكل جزءا منه؟ للإجابة على هذا السؤال نقول نعم كثير من التفاسير الحديثة التي تعاملت مع النص القرآني كانت مشتملة على آليات الاسلوبية البنيوية، إلا أن الميزان محل دراستنا او محل مثالنا في الدراسة كان انضج هذه التجارب واقربها، بل واكثرها تطبيقا بإتقان لآليات الاسلوبية البنيوية لا سيما في العرفان النظري الا ان الفارق بين الاسلوبية البنيوية التي جاء بها ريفاتير والمنهج الذي عمل عليه صاحب الميزان هي المنظومة المصطلحية لكليهما فما اطلق عليه ريفاتير بالأسلوبية البنيوية اطلق عليه صاحب الميزان بلسان السورة أو جو السورة وما اطلق عليه صاحب الاسلوبية البنيوية بمقاييس اللغة اطلق عليه صاحب الميزان لسان الآية ثم ما اراد به من فكرة القارئ العمدة عند ريفاتير جاءت عند صاحب الميزان تحت مصطلح اقول والى مظاهره والياته الاخرى فلكل مصطلح ولكل فكرة عند كليهما مصطلح وعلى هذا يكون كتاب الميزان هو أقرب الكتب أو المتون لمنهج الاسلوبية البنيوية.
الدراسات الأسلوبية الحديثة حظيت باهتمام كبير من الدارسين علوم البلاغة والنقد وعلوم اللغة، إلا أن الوقوف عند اتجاهات الأسلوبية وما يمكن الإفادة منها لا ليس قليلاً إلا أنّه لم يأخذ من السعة ما أخذه غيره من الدراسات، فضلا عن أن الأسلوبية البنيويّة من المناهج التي لها أثر كبير في قراءة النصوص والوقوف عند مدلولاتها، ولعله أبرز من درس ووضع آليّات للأسلوبية البنيويّة كان جاكوبسون، وجاء بعده ريفاتير، وربَّ سائل يسأل لماذا توقف الباحث عند أسلوبية ريفاتير متغاضيا عمّا جاء به جاكوبسون؟ إنّ أسلوبية البنيويّة التي جاء بها جاكوبسون تخوض غمار اللغة أكثر مما تلج بحور الأدب، هي تعمل على وفق آليات اللغة وما تفضيه تلك الآليات من دلالات، أما ما جاء به ريفاتير من أدبيّة الأدب والعمل على مفصليات النص للوقوف على الدلالة فقد كان يتواءم وما يصبو إليه الباحث من الوقوف على أسس هذا المنهج.