كِتَابُ لُغَات الْقُرْآن لِلشَّيْخِ جَعْفَر بن إبراهيم الْهَرِيسِيَّ التِّبْرِيزي دِرَاسَةٌ وَتَحْقِيقٌ

مُصْطَفَى حسين عَبْد الرَّسُول وَذَاح فلسفة في الشريعة والعلوم الاسلامية

خلاصة:
مما لا ريب فيه أنَّ علوم القرآن عامة وعلم التفسير خاصة أفضلُ العلوم، إذ بهما يهتدى لمراد الله.
ورأيتُ في مرحلة الكتابة أنْ أعودَ إلى التراث المعرفي، وأنْ أخدمَ أثراً من آثار أحد أعلام الأمة الكبار، وهو الشيخ جعفر بن ابراهيم التبريزي تقديراً له، وترحُّماً عليه، وشكراً لما أسداه للعلم والدين والأمة، وانتفاعاً بعلمه الواسع، واطلاعه الغزير، وفهمه الثاقب.
إنَّ التَّراث بصورة عامة والتّراث الإسلامي المخطوط بصورة خاصَّة يعد هوية للشعوب الإسلامية ومصدر ثقافتها، والحفاظ عليه من الضياع والاندثار والاهتمام به واجب ديني مقدَّس وأخلاقي ووطني، فهذا التراث المخطوط كان نتيجة لتظافر جهود رجال العلم والعلماء الماضين – رحمهم الله- من هذه الأمَّة، وإنَّهم قضوا بعض سنوات عمرهم، وتركوا بلدانهم للسَّفر للبلدان الأخرى ولاقوا ما لاقوا من معاناة في السَّفر، بحثاً عن العلوم ليوثّقوها للأجيال اللاحقة بعدهم، وهناك وسائل عدَّة ممكن من خلالها أن نحفظ هذا التراث الإسلامي المخطوط، ألا وهي وسيلة (تحقيق المخطوط).
فالتّحقيق: هو تصحيح النّصوص وتصديقها واثباتها وتوثيقها، وإحكامها، من قبل القائم بعمل التَّحقيق، وبأمانةٍ عليمة، وهو علم كباقي العلوم الأخرى، بل من أجلَّها.
فللتّحقيق أهمّية علمية وتاريخية بالغة في حفظ تراث الأمّة وإظهاره إلى السَّاحة العلميَّة، فبه يستطيع المُحقق أن يحفظ هذا الإرث الحضاري التاريخي، الذي قد أنتجه علماؤنا الأعلام عبر السّنين، وإخراج هذا التّراث إلى النُّور بدلاً من تركه مركوناً في رفوف المكتبات، ومن أجل إفادة القارئ والمطالع من هذا التّراث، بعد أن يبذل المحقق عناية خاصَّة وجهداً كبيراً في مراحل تحقيق الكتاب (المخطوط)، مثلاً: التّحقق من عنوان المخطوط واسم مؤلفه وتصحيح إن كان يتطلَّب الأمر التَّصحيح، ومقابلته النَّسخ وتقييمها وغيرها من الأمور.
وَاهِمِيَّةَ كتاب التبريزي تُقِّعَ مِنْ جَانِبِ الْبَحْثِ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ ذَاتُ قِيمَةِ عُلْيَا، وَبِالْأَخَصِّ إِذَا كَانَ مَوْضُوعُ الْكِتَابِ يَبْحَثُ فِي التَّعَامُلِ مَعَ النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ بِأَدَوَاتٍ وَمَنَاهِجِ مُتَعَدِّدَةِ فِي كَشْفِ مُرَادِ الآيات، وَلِذُلٍّك يُعِدُّ تَحْدِيدُ لُغَةِ الْقُرْآنِ بَحْثَ جَوْهَرِي بِمُعَنًّى عَنْ أَيِّ نَسَقٍ مِنَ اللُّغَةِ اِسْتَخْدَمَ، أَيَّ نَوْعٍ مِنَ اللُّغَةِ، أَيَّ نَوْعٍ مِنْ أدَاةِ التَّخَاطُبِ، هَذَا يُسَاعِدُ كَثِيرَا فِي فَهُمْ بُنِّيَّةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، فَعِنْدَمَا تُرِيدُ أَنْ تَتَفَاهَمَ مَعَ أَيِّ شَخْصِ آخِرِ عَبْرِ الْكِلَاَمِ تُرِيدُ أَنْ تَفْهَمَهُ أَنْتَ بِحَاجَةٍ إِلَى فَهُمِ اللُّغَةُ الَّتِي يَعْتَمِدُهَا، أَوْ بِحَاجَةِ لَفِّهِمِ الْوَسِيطِ النَّاقِلِ اِلَذِّي يَعْتَمِدُهُ، أَوْ أَيُّ لُغَةِ لَفِّهِمِ الْمَقَاصِدَ والمعاني، هَكَذَا لَوْ كانت اللُّغَةَ الْإشَارَةَ مِثْلُ لُغَةِ الْجَسَدِ الَّتِي تَسْتَخْدِمُ فِي بَعْضِ الْمَسْرَحِيَّاتِ وَالْفُنُونِ، إِذْ أَنَّ صَاحِبَ الْمَخْطُوطِ اِتَّبَعَ الْمِنْهَجُ التَّرْكِيبِيُّ فِي تَحْصِيلِ الْمُعَنَّى، وَلَهُ سَبَلُ عَدِيدَةُ مِنْهَا: اِسْتِخْدَامُ اللُّغَةِ الْعُرْفِيَّةِ فِي فَهُمْ بَعْضُ معاني الْقُرْآنَ، وَالتَّفْسِيرَ بِالْأثَرِ، كَتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ، وَتَفْسِيرَهُ بِمَا وَرْدٍ عَنِ النَّبِيِّ( ص) وآله، وَبَيَانَ أسْبَابِ النُّزُولِ، وَالْقِرَاءَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَالْمَوَارِدَ الْبُلَّاغِيَّةَ، فَضْلًا عَنْ إتسام مِنْهَجَهُ بِعَرْضِ آرَاءِ الْمَذَاهِبِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْأُخْرَى.