علي عباس حسن كنكون | لغة القرآن وآدابها |
الخلاصة
تناولت هذه الدراسة الوظائف التواصلية في نثر زيد بن علي (عليه السلام) وفق نظرية التواصل اللغوي وهي من أبرز النظريات اللسانية الحديثة التي تمثل جانبًا من جوانب التداولية ,ونظرية التواصل اللغوي لرومان جاكوبسون ؛إذ بينت هذه النظرية أن اللغة قائمة على الوظائف التواصلية لعناصر التواصل الستة ,وهي (المرسَل) وتقابله الوظيفة التعبيرية ,و(المرسَل إليه) وتقابله الوظيفة الإفهامية ,و(الرسالة) وتقابلها الوظيفة الشعرية, وعنصر الاتصال هو(قناة الاتصال) وتقابله الوظيفة الأنتباهية ,والشفرة أو(السنن)التي تولد الوظيفة الميتا لسانية, و(السياق )الذي تقابله الوظيفة المعرفية أو المرجعية.
ويعتمد نجاح التواصل اللغوي في أية لغة من لغات العالم على توافر مهارات أساسية هي (الاستماع, الحديث, القراءة, الكتابة,) فنجاح التواصل اللغوي يعتمد على الاستعمال الناجح لمهارات التواصل وأي خلل في استعمالها يؤدي إلى فشل عملية التواصل وعدم نجاحها, مع مراعاة مقامات المتلقي للخطاب ؛لأن لكل مقام مقال , يؤثر سلباً على نجاح عملية التواصل فيؤدي إلى فشلها.
ولقد عمدت في هذه الدراسة إلى عدم الاكتفاء بالتنظير لهذه النظرية وإنما جعلت من كلام أهل البيت (عليهم السلام) المتمثل بخطب ووصايا الشهيد زيد بن علي (عليه السلام) ميدانًا لتطبيق نظرية التواصل اللغوي والكشف عن الوظائف التواصلية في الأساليب النحوية التي استعملها المرسل (زيد بن علي) للتأثير في المتلقين ,وكيف وظّف زيد بن علي (عليه السلام) أسلوب النداء خير توظّيف في نثره لإنجاح عملية التواصل بينه وبين الجمهور ومحاولة التأثير فيهم, فجميع عناصر العملية التواصلية حاضرة في خطبه ورسائله التي بعثها إلى الأشخاص, ومؤدية لوظائفها بنحو متكامل .واستعمل المرسل زيد بن علي (عليه السلام) أسلوب الأمر أكثر من أسلوب النهي في كلامه, وأغلب أفعال الأمر اتصلت بضمائر المخاطب (واو الجماعة),وخرجت معاني أسلوب الأمر والنهي في نثره إلى معانٍ مجازية بحسب السياق وقصد المتكلم. أمّا الوظائف التواصلية في أسلوبي الأمر والنهي فقد هيمنت الوظيفة الندائية ومن ثم هيمنت الوظيفة التأثيرية التي تتمثل في شخصية المرسِل وانفعالاته النفسية.
وأسلوب زيد بن علي (عليه السلام) في خطبه سهل المعاني ,جزل الألفاظ .حاول عبره تحقيق التواصل الناجح مع المستمعين .فعملية التواصل تكون ناجحة إذا خلا الخطاب من التأويل وهذا ما سعى إليه المرسَل زيد بن علي (عليه السلام).
وقد تعاضد أسلوب الأمر مع أسلوب النهي لتحقيق الغايات التواصلية في الخطاب التوجيهي لزيد بن علي (عليه السلام) , ففي خطابه للجمهور تصدر أسلوب النهي الخطاب الإرشادي لينهى المرسَل إليه من فعل أمر معين ثم اتبعه بمجموعة من أفعال الأمر لتكون بديلاً عّما نهاهم عنه وبذلك يكون هذان الأسلوبان قد اوجدا تواصلاً ناجحاً بين المرسِل والمرسَل إليه .
بينت الدراسة قوة الحجة عند زيد بن علي (عليه السلام) ؛ المتأتية من قوة شخصيته ,وعلمه, وثقافته, وتمكنه من اللغة وأساليبها البلاغية ,ومعرفته بآليات الحجاج في الخطاب السياسي والديني وأدواته التي أجاد استعمالها وتوظيفها لإبطال حجج الخصم ,وتوجيهه نحو الاقتناع بحجته والاذعان لها.