نور التّوفيق وكشف التّدقيق لملّا محسن بن محمد طاهر القزويني (1150هـ) من أوّل سورة آل عمران إلى نهاية الآية (103) ــــ دراسة وتحقيق ـــ

رائد خضيّر محمّد فلسفة في ( الشريعة والعلوم الاسلامية )

الخلاصة
قد وصلت إلينا جهود علمائنا التّفسيريّة مضمرة بين طيّات الجلود، فكان لزاماً على جيلنا أن يُحرز فتوحات تحقيقيّة تُخرج المُضمر إلى النّور، كي يقترب النّص المحقّق من لحظة القراءة الراهنة، ولا يبقى حبيس اللحظة التي تشكّل بها وما يحيط به من بيئة وفهم وتأويل.
ومهما كثرت الدراسات وتنوّعت حول القرآن الكريم لن تستطيع الإحاطة بما جاء فيه من العلوم والمعارف، والتي قد شكّلت منذ نزوله مادّة خصبة لكثير من العلماء ينتهل منها كلّ واحد منهم بحسب أفقه المعرفيّ وإخلاصه وتحدّيات جيله، والمشكلات التي فرضت على واقعه، وممّن تعرّض لذلك الملّا محسن القزويني في تفسيره(نور التّوفيق وكشف التّدقيق)، والذي قد جاءه متسلّحاً بما يتيح له الخوض في التّفسير، ابتداءً بالإخلاص لهذا الكتاب الكريم والإيمان به وبقداسته، وانتهاءً بوجوب توافر الأدوات التي تمكّنه من الدخول إلى آفاقه كالمعرفة بعلوم القرآن وعلوم الحديث والّلغة وغيرها.
ومحاولتي هذه ما هي إلّا تعبير صادق لإحياء الموروث الّذي ورثناه عن علمائنا الأفذاذ (رحمهم الله) فعادت مخطوطاتهم بهذا الصّدد محل تقدير لمتابعة ما قدّموه لنا من جهد ينمّ عن ارتباطهم الصّادق بعقيدتهم ودينهم العظيم؛ لذا صِيرَ إلى اختيار المخطوطة الموسومة بـ(نور التّوفيق وكشف التّدقيق) للملّا محسن القزوينيّ لتكون موضوع هذهِ الدّراسة.
ونظراً لما توافرت لديّ المعلومات ورسخ ببالي الجهد المتميّز لنتاج هذه المخطوطة والذّي كشف بدوره عن الأهميّة العلميّة الكبرى لها، فقد دفعتني الرغبة الجامحة لخدمة الكتاب العزيز من خلال جهود هذا العالم المتميّزة علّني أصل الى مبتغاي في خدمة القرآن العظيم، فضلاً عن روعة الأداء، وبلاغة التّعبير، وجماليّة العرض، وتقبّل النّفس لما عرضه المؤلّف، كلّ هذه الأسباب كان لها أثرٌ بالغٌ في نفسي لثبوت طروحاته وأهميّة الموضوع لدي.
فصار هذا التّفسير مداراً للبحث لتقسم خطته على قسمين أحدهما للدّراسة والتي تضمّنت فصولاً ثلاثة سُبِقَتْ بمقدّمة لفحواها، الأوّل موسوماً في السّيرة الذاتيّة للمؤلِّف، ثمّ خصّصنا فصلاً ثانياً لدراسة المباحث القرآنيّة في التّفسير، ثمّ جاء دور الفصل الثّالث الذي زخر بمواضيع عقديّة وعباديّة وروائيّة ولغويّة وأدبيّة ونحويّة فكان وفيراً ببيان تلك المواضيع .
ثمّ خُتِمَ بذكر أهمّ النتائج الّتي توصّل إليها الباحث في دراسته هذه.
أمّا القسم الثّاني فقد اختصّ بالتّحقيق فابتدأ بوصف المخطوطة بنسختها المعتمدة، أعقبه بيان منهج التّحقيق، ثمَّ توضيح للرموز والمختصرات التي وردت في المخطوطة، مع عرض بعض صور من صفحات المخطوطة، وصولاً إلى النّصّ المحقّق، ثمَّ ثبتٍ للمصادر والمراجع التي تمَّ الاعتمادُ عليها في قسمي الدّراسة والتّحقيق.
وقد تمخض عن دراسة المخطوط نتائج عدّة منها:
1ــ ظهر جليّاً من المتابعة لمنهجيّة القزويني اعتماده على منهج تفسير القرآن بالقرآن، من خلال ارجاع وربط الآيات ببعضها، وكذلك الاعتماد على السيّاق القرآني في الاستدلال لبيان معاني بعض الآيات القرآنية، مستخرجاً المعنى للآيات المراد تفسيرها في نطاقٍ قرآنيّ داخلي من القرآن وإلى القرآن .
2ــ تعرّض القزويني خلال التّفسير لآراء العلماء في المسائل العقديّة أو التفسيريّة، ويفرد لمطارحتها أبواباً في الردّ عليهم، مناقشاً إيّاها، منتهياً إلى ما يراه الصائب منها بمقتضى الأدلة والبراهين.
3ــ احتلّ تفسير نور التّوفيق وكشف التّدقيق الصدارة من حيث الجمع بين المناهج والخروج عن النّزعة الأحاديّة التي غلبت على الحقبة التي أُلّف فيها، وهو بحدّ ذاته يعدُّ أمراً صعباً لا سيّما بلحاظ تلك الحقبة التي شهدت تباين مناهج في كافّة المستويات في بيان التّفسير والعقيدة والفقه والشريعة بشكل عام.