علي كَحار ميّاح المسعودي | تطورالتّعليم في كربلاء 1968-1979 | ماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر 2021 |
ان بحر العلم لا نهاية له ،وتاريخ التعليم في العراق يعود الى زمن اكتشاف الكتابة ،اما تاريخ التعليم في كربلاء موغل في القِدَم ، ولدراسة حقبة زمنية ما تتعلق بالتعليم في كربلاء من الامور المهمة للوقوف على أهم التغيرات التي طرأت على التعليم وتجنب الوقوع في المشكلات التي شكَّلت عائقاً في سبيل تقدمهِ ، وقد وقف الباحث بدراسته لتطور التعليم في كربلاء خلال المدة الزمنية (1968_1979) على مجموعة من الاستنتاجات :-
أولاً: شهدت المدة الزمنية الكثير من الاحداث والتطورات في مختلف المجالات والاصعدة ، لاسيما على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، فضلاً عن الصعيد الاداري ، إذ أن الاوضاع السياسية المضطربة مهدت الطريق لحزب البعث (المنحل ) للوثوب الى السلطة في العراق بتاريخ 17_30 تموز 1968 الذي وضع الخطوط الاساسية لإدارة البلاد ،مبيناً توجهات الحكومة في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،فضلا عن النواحي الثقافية والادارية ، والتي انعكست على الحياة الاجتماعية في المحافظات العراقية ومنها كربلاء، لاسيما النواحي الدينية والتعليمية.
ثانياً: لم تختلف الحكومة الجديدة عن سابقاتها من الحكومات في سياستها ، لاسيما سياسة الاقصاء والتهميش وتصفية الخصوم وحملات الاعتقال التي طالت المواطنين المنتمين لأحزاب مناوئة للحزب الحاكم ، إذ تجرأ الحزب المنحل بمضايقة الحوزات العلمية ، لاسيما الحوزة العلمية في كربلاء التي تعرضت للتصفية هي الاخرى لشق وحدة الصف وتضييق الخناق على الحوزة العلمية وتحجيم أدوارها في حياة المجتمع الكربلائي خاصة والعراق عامة ، وهي سياسة انتهجها الحزب لمواجهة كل وجود لا ينتمي للحزب وقمعهِ قبل ان يقول كلمتهِ .
ثالثاً: تبين للباحث ان الحكومة الجديدة أدركت عِظمُ خطأها بانتهاج سياسة قمعية تجاه المواطنين والاحزاب المناوئة له، وهذهِ السياسة ستفقدهُ أهم قاعدة في تثبيت أقدامهُ في الحكم ،لذلك عمل سن اللوائح القانونية والقرارات العامة التي تكسب ثقة الشعب ، لاسيما إلغاء قانون الاتحاد الاشتراكي واطلاق سراح السجناء وغيرها من القرارات والقوانين الاخرى ، وبدا بالاهتمام بالجوانب الفكرية والثقافية والادبية ، فضلاً عن الاهتمام بالمؤسسة التعليمية والالتجاء الى وسائل الاتصال الجماهيري كالتلفزيون التربوي والصحف والمجلات التعليمية(مجلتي، المزمار) .
رابعاً: أبصرت محافظة كربلاء خلال المدة(1969_1971) أحداث وتغيرات في النواحي الادارية تركت بصمتها على واقع التعليم في المحافظة ، لاسيما حذف واستحداث مدن عراقية في ظل قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) القاضي بتحويل الالوية العراقية الى محافظات، والذي على اثرهُ استحدثت محافظة النجف ، ومن الجدير بالذكر ان محافظة النجف ظلت مرتبطة أدارياً بمحافظة كربلاء لاسيما ما يتعلق بالتعليم العام حتى عام 1976 .
خامساً: أما بالنسبة لعناصر التعليم الاساسية الثلاث الخاصة (طلبة ، ملاكات ، ابنية مدرسية) برياض الاطفال في كربلاء ، فقد شهدت خلال المدة الزمنية (1968_1971) انخفاضاً ملحوظاً ، نتيجة لقصور الخطط التربوية المُعدَّة ،لاسيما خطط التنمية التي رافقها انخفاض التخصيصات المالية على عكس التعليم الابتدائي الذي حقق تطوراً نوعياً ونمواً كمياً بسبب تطور بُنية وهيكلية وزارة التربية التنظيمية والادارية والعلمية ، إلا أنه لم يخل من مشاكل ،لاسيما مشكلة الرسوب والتسرب وندرة الابنية المدرسية التي تم معالجتها من خلال اتباع نظام المدارس المزدوجة ، اما ما يتعلق بالتعليم الثانوي في محافظة كربلاء للمدة ذاتها ، فقد شهدت كربلاء تطورات ملحوظة بالمقارنة مع العديد من المدن العراقية ،نتيجةً للجهود المبذولة من قِبَل الجهات المختصة بالتربية والتعليم ،لاسيما مديرية التربية ، ونقابة المعلمين لإزالة العقبات التي تعترض التعليم في تلك المدة، بينما تفاوتت انواع التعليم المهني وملاكاتهِ وابنيته المدرسية فضلاً عن اعداد الطلبة في محافظة كربلاء خلال المدة المذكورة من حيث العدد ، اذ انخفض العدد في بعضها وثبت العدد لدى البعض واختفت لدى البعض الاخر،لاسيما التعليم التجاري ،اما بالنسبة لمؤسسة اعداد المعلمين(دور ومعاهد المعلمين والمعلمات) في كربلاء للمدة المذكورة ،فقد شهدت انخفاضاً ملحوظاً في عناصر التعليم الثلاث ،اثر الامر الوزاري القاضي بغلق دور ومعاهد المعلمين والمعلمات في كربلاء والمدن العراقية الاخرى واستمرت مغلقة لحين تخرج آخر دورة في عام 1972.
سادساً: أبصر التعليم العام وخدماتهُ المدرسية والمهنية في محافظة كربلاء خلال المدة الزمنية (1971_1975) توسعاً ملحوظاً في رياض الاطفال ، إذ نمت الرياض كمياً وتطورت نوعياً كخطوة نحو تنفيذ خطة تعميم التعليم الابتدائي ، وللاستفادة من مردود التعليم الابتدائي شملت الرياض جميع المناطق في محافظة كربلاء ،لاسيما الريف الذي امتاز بسوء الظروف الاقتصادية والاجتماعية ،وقج جسد التعليم الابتدائي تطورهُ في عدة مجالات ،لاسيما المناهج والكتب المدرسية والوسائل الايضاحية كالمختبرات، وكذلك تجسد التطور بإتباع طرق التدريس الحديثة كالطريقة التوليفية في القراءة ، واساليب التقويم والامتحانات ،وقد رافق هذا التطور نمواً كمياً في عناصر التعليم الاساسية أثر التشريعات الصادرة عن مجلس قيادة الثورة(المنحل) ووزارة التربية ،لاسيما التشريع الخاص بمجانية التعليم للمراحل الدراسية كافة ،والقرار الخاص بإلغاء التعليم الاهلي ،ودمج التعليم الديني بالتعليم الحكومي ،ومن الامور التي رافقت تطور التعليم الابتدائي تطور خدماته المدرسية، ومنها التغذية المدرسية وتدريب الملاكات كجانب مهم من تطوير العملية التربوية التعليمية.
سابعاً: نال التعليم الثانوي والتعليم المهني في محافظة كربلاء خلال المدة الزمنية (1971_1975) رعاية واهتمام بارزين من لدن الجهات المسؤولة عن التربية والتعليم لأهميته في تلبية احتياجات ومتطلبات التنمية في مختلف القطاعات، لاسيما القطاع الصناعي الزراعي التجاري فضلا عن القطاع الصحي ،لذلك صدرت عدة قرارات تصب في صالح العملية المسيرة التعليمية ،لاسيما تعميم التعليم الالزامي لما بعد المرحلة المتوسطة ،فأحدثت فارقاً في مجال النمو الكمي على المستوى الثانوي ، كما انعكست على السياسة التربوية المتبعة تجاه التعليم الثانوي والمتمثلة بتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الجنسين ، وعدالة توزيع الخدمات المدرسية والتعليمية ، اما فيما يتعلق بإعداد المعلمين في محافظة كربلاء للمدة 1971_1975، فقد طرأت عدت تغيرات على السياسية التربوية للدولة انعكست على واقع اعداد المعلمين اثر صدور قرار غلق دور ومعاهد المعلمين والمعلمات ، وذلك يعني لم يلتحق الطلبة في تلك المؤسسة التعليمية حتى أعيد العمل بها في محافظة كربلاء خلال العام الدراسي 1974_1975.
ثامناً: تسببت التغيرات الادارية التي طرأت بعد صدور قانون تحويل الالوية الى محافظات في العراق بانخفاض عناصر التعليم العام الثلاث في محافظة كربلاء خلال العام الدراسي 1975_1976، ولمعالجة تلك العقبة عملت الدولة إلى اتباع سياسة تربوية أكثر ميلاً للشدة ، لاسيما من خلال تطبيق خطة للتعليم الالزامي في كافة محافظة البلد ، ومنها محافظة كربلاء وحل أزمة الابنية المدرسية ، واوعزت الوزارة للمحافظات بتطبيق المادة السابعة من قانون التعليم الالزامي بالتعاون مع الجهات المختصة ،كما شرعت بتبعيث مناهج الرياض كجزء من سياسة الحكومة المركزية.
تاسعاً: مثلت للمدة 1975_1979 أكبر عملية ارتقاء على المستوى الثقافي في محافظة كربلاء خاصة والعراق عامة أثر صدور قانون التعليم الالزامي رقم 118لسنة 1976 الذي انعكس على واقع التعليم الابتدائي والثانوي بشكل ايجابي تارة وسلبي تارةً اخرى ،لاسيما بعد تجربة إلغاء الامتحان الوزاري في المدارس الابتدائية ،مما سبب في ارتفاع اعداد المتخرجين من الدراسة الابتدائية رافقها زيادة كبيرة بأعداد الملتحقين في المستوى المتوسط التي احدثت ازمة في عدد الابنية المدرسية ونقصاً في اعداد الملاكات وبالتالي سببت اهدار في التعليم الثانوي نتيجة لارتفاع حالات التسرب بين الطلبة ، وقد حاولت مديرية تربية المحافظة معالجة الازمة من خلال العمل بنظام المدارس المزدوجة ، وانشاء مدارس الفتح الجديد، واللجوء لخريجي المعاهد المهنية وزجهم في العملية التعليمية تعويضاً للنقص الحاصل في الملاكات وسداً للساعات الشاغرة ، بعد ادخالهم في دورات تأهيلية ، والعمل بنظام الانسيابية لتحقيق التوازن في قبول الطلبة المتخرجين من المستوى المتوسط.
عاشراً: نال التعليم المهني في محافظة كربلاء خلال المدة الزمنية الممتدة من(1975_1979) اهتمام الادارة المحلية في المحافظة باعتباره الحجر الاساس لمشروع خطط التنمية الاقتصادية 1976_1980 ،اذ لا يمكن اغفال دور المؤسسة التربوية فيها ، لذلك شهدت محافظة كربلاء نمواً كمياً ونوعياً في مستوى التعليم المهني في انواعه المختلفة الصناعي ، الزراعي، التجاري نتيجة للتخطيط المسبق ، والتشجيع الحكومي الذي اشاع ثقافة اقبال الطلبة على مستوى التعليم المهني في المحافظة لدعم المشاريع الاقتصادية لاسيما بعد افتتاح مصانع التعليب في كربلاء ،اما بالنسبة لمؤسسة اعداد المعلمين ،لقد كانت نسب اقبال الطلبة تجري بنسب ثابته اثر اتباع نظام القبول المركزي والعمل بنظام الانسيابية ، ولم تشهد اعداد الملاكات والابنية الخاصة بمؤسسة اعداد المعلمين بأية زيادة تذكر بسبب ثبات نسب الطلبة الملتحقين
حادي عشر: شهدت محافظة كربلاء خلال الحقبة الزمنية 1968_1979 انخفاضاً كبيراً في عدد الاميين نتيجةً لقيام مشروع محو الامية وتعليم الكبار الذي تحقق بفضل التشكيلات الساندة للمشروع والمتمثلة بالاتحاد العام لنساء العراق فرع كربلاء ، والاتحاد العام للطلبة في كربلاء ،فضلاً عن مساهمة النقابات الفلاحية ونقابة المعلمين والحملات الاعلامية لمكافحة الامية من خلال الندوات والمهرجانات التي اقيمت في كربلاء ،لذلك انخفضت نسب الامية في المحافظة حتى عُدت من اولى المحافظات التي رفعت راية محو الامية .
الثاني عشر: غطَّت الحكومة المركزية والحكومة المحلية في المحافظة على أجهزتها القمعية من خلال الاهتمام بالأنشطة المدرسية الثقافية ، لاسيما الانشطة الرياضية ،وهذا واضح من خلال توجهات الحكومة المركزية في دعم السباقات الرياضية مادياً ومعنوياً بمعزل عن النتائج المتحققة في محافظة كربلاء، حيث كانت تقام تلك النشاطات بمناسبة اعياد تموز ومولد الحزب (المنحل) ، وهي بذلك ابتعدت عن اهدافها التربوية.
الثالث عشر: ابتعد نظام الفتوة المُدرج ضمن الانشطة المدرسية اللاصفية في المدارس الثانوية عن محتواه ومضمونه التربوي، لاسيما بعد عسكرة المؤسسة التربوية في محافظة كربلاء، نتيجة صدور نظام الفتوة بموجب القرار المرقم 142لسنة 1975، اذ كان من بين جوانبه السلبية الاهدار في التعليم الثانوي وظهور مشكلة الرسوب والتسرب ، وحرمان الكثير من الطلبة من الالتحاق بالجامعات اثر تخلفهم عن الالتحاق بمعسكرات الفتوة ، كما تميزت محافظة كربلاء بمساهماتها الفنية اذ شاركت بالعديد من المهرجانات والمسابقات الفنية فحققت انجازات مرضية حصلت من خلالها على العديد من الجوائز .
الرابع عشر: اتضح للباحث ان للإعلام التربوي دور متميز في محافظ كربلاء خلال المدة 1968_1979 ، اذ شكلت الصحف التربوية رافداً مهماً في دعم العملية التربوية في المحافظة ، بالرغم من العراقيل والقيود التي كبلت الصحف فمُنِعت الاقلام الحرة من نشر ابداعها الادبي والعلمي، ونلاحظ ان هناك العديد من الصحف والمجلات والنشرات المدرسية حررت بأقلام الطلبة واشراف بعض الهيئات التعليمية عالجت في موضوعاتها القضايا التربوية والاجتماعية الا انها لم تستمر لأسباب سياسية ومالية وادارية ،فضلاً عن ظهور التلفزيون التربوي الذي ابتعد هو الاخر عن محتواه ومضمونه التعليمي _ التربوي وبات احد الوسائل الاعلامية لتوجهات الحزب الحاكم .