الجهود التفسيرية عند الشيخ محمد بن حبيب الله السَّبْزَوَاري – عرض وتحليل –

محمد ناصر محمد جاسم الغريفي الشريعة والعلوم الاسلامية

الخلاصة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين وبعد:
القرآن الكريم بحر لا تنقضي عجائبه, ولا تُدركُ أعماقه وسواحله, كيف لا يكون كذلك وهو التجلي الأعظم لله سبحانه وتعالى وكما قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لقد تجلى الله لخلقه في كلامه ولكنهم لا يبصرون), وهو كتاب الله المنزل على نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) بآيات بينات ومعجزات باهرات وحجج دامغات, قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل: 44], حيث إنَّ الله تعالى أوكل نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) مهمة بيان القرآن وتفسيره للناس, والعمل بموجبه, ثم الأئمة (عليهم السلام) من بعده صلوات الله وسلامه عليهم؛ لأنهم عِدْلُ القرآن, ومن بعدهم الصحابة والتابعين الذين شملهم العطف والرحمة والمعرفة من مدرسة الرسول الكريم (صلى الله عليه واله وسلم) وليقوموا بدورهم في تعليم الناس معاني الآيات والعلوم والمعارف مع التدبر فيها والعمل بأحكامها. وبذلك نشأ علم التفسير الذي هو من أشرف العلوم الإسلامية، وموقعه بين المعارف الإسلامية كالقلب من الجسد، وتَعدُّ جهود المفسرين – قديماً وحديثاً – العلمية وقدراتهم الفنية وسعة مداركهم لمعاني الآيات هي السبب في تحقيق أسمى الغايات للوصول إلى مراد الله تعالى.
ومن هؤلاء المفسرين الشيخ محمد بن حبيب الله السبزواري النجفي (قدس سره) صاحب التفسير الكبير(الجديد في تفسير القرآن المجيد), وإن سيرته الحسنة وأخلاقه الفاضلة في تواضعه وزهده وبساطته بين الناس ومساعدتهم في قضاء حوائجهم جَعَلتْهُ محبوباً في مجتمعهم, وقد افنى حياته بكل ثقة في العلم والمعرفة حتى صار ذات شأن كبير في الأوساط العلمية بتقواه وتدينه وغزارة علمه، كما سعى بكل أمانة واخلاص – رغم ظروف حياته الصعبة – في إنجاز هذا التفسير المبارك الذي بذل فيه جهداً كبيراً, ليلاً ونهاراً, وطرح فيه كل ما يدور في خزانة عقله وسعة صدره من المعارف والعلوم التي اكتسبها من حلقات درسه وتدريسه, وكثرة مطالعاته للكتب العلمية ولاسيما التفسيرية منها, وبذلك فقد بذلت جهداً كبيراً في معرفة أسرار حياة هذا الشيخ المجاهد الصابر من خلال الدراسة والتحليل لمفاصل حياته الاجتماعية وفقرات تفسيره المبارك الذي تميز بسلاسة أسلوبه, ووضوح ألفاظه بعيداً عن التعقيد في طرح عباراته وفهمها وإدراكها, وقد وظَّف فيه كثيراً من المعارف والعلوم التي تتعلق بتاريخ القرآن وعلومه, وتنوعت موارده التفسيرية والروائية إذ شملت بما أُثر عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) فضلاً عن أعلام الصحابة والتابعين, وكان منهجه في تفسير القرآن بالقرآن أو في تفسير القرآن بالسنة معضداً بما ورد عنهم سلام الله عليهم, وبما اعتمده من التفاسير القديمة والحديثة لكلا الفريقين, وأشار إلى الأحكام الفقهية والمسائل الاعتقادية وترجيح الرأي الصائب والمعقول على وفق المذهب الإمامي الأثني عشري وقد تطرق إلى بيان معنى المفردة لغوياً ونحوياً وصرفياً وبلاغياً بما سار عليه أغلب المفسرين مع بيان موقعها الإعرابي هذا فضلاً عن الاستشهاد بالشعر والنثر والأمثال من كلام العرب في تأكيد معنى المفردة, وقد منع التكرار في تفسير الآيات المكررة والمتماثلة ورفض التفسير بالرأي كما رفض التعرض للإسرائيليات في بيان القصص القرآنية لاحتوائها على كثيرٍ من الأساطير والأكاذيب التي تخل بعصمة الأنبياء والمرسلين, وأخيراً فإني أرجو من الله سبحانه أن يتجاوز عني الخطأ والسهو والنسيان إنه سميع الدعاء وأنَّه أرحم الراحمين.