رسل زاهر فرحان | لغة القرآن وآدابها |
الخلاصة
الحقُّ أن الرواية باتت الفن التعبيري الأكثر قدرة على استلهام روح العصر حتى وهي تعود إلى غابر الأزمنة لتستلهم من عبرها، ولتستحيي رموزها وأحداثها التي عفا عليها الزمن، بما يمتلك هذا الفن من طاقة على صهر العالم من حوله، وإعادة إنتاجه من جديد، ومن هنا كان منطلق البحث لاختيار موضوع بكر لم تألفه الرواية العربية عموما، والرواية التاريخية منها على وجه الخصوص، على اعتبار أن موضوع البحث: (توظيف القصص القرآني في الرواية العربية الحديثة، رواية أوراق شمعون المصري لأسامة الشاذلي مثالا) يتناول رواية منسوبة لنمط الرواية التاريخية.
وقد حاولت هذه الدراسة أن تجيب عن سؤال مهم، تمثل بالتالي: إلى أي مدى استطاعت الرواية المذكورة أن توظف الآليات والتقنيات الفنية في استدعائها للقصص القرآني الذي يتحدث عن مسألة محددة هي: (تيه بني إسرائيل أثناء هجرتهم من مصر بحثا عن الأرض المقدّسة)، وماذا أضاف هذا الاستحضار المعاصر لتلك القصة الغابرة في يومنا هذا؟ وهل كان سببا من أسباب نجاح هذه الرواية على مستوى الاستهلاك الثقافي؟ إذا ما علمنا أن الرواية قد أعيد طبعها خلال عقد واحد أكثر من ثلاثين طبعة مختلفة لنفادها من الأسواق مع كل طبعة جديدة.
وقد اقتضت طبيعة هذا الموضوع أن نعقد له تمهيدا وثلاثة فصول، فاضطلع التمهيد بتلخيص الرواية ذات الستمائة صفحة بحدود العشر صفحات، وبالحديث عن فن الرواية عند المؤلف (أسامة الشاذلي) أما فصول الدراسة، فكان الأول منها مهتما بإيضاح ما يتعلق بالبعد النظري لقصص القرآن، وبموقف بعض الدارسين والنقاد العرب منه، وبتحديد أهم الثيمات القصصية القرآنية، الرئيسة والثانوية التي اشتملت عليها الرواية، وقد أخذ الفصل الثاني على عاتقه دراسة مستوى التوظيف الفني لهذه القصص على مستوى المبنى الحكائي للرواية مركزا على الأحداث والشخصيات، والفضاء الروائي، بالانتفاع من معطيات المناهج السردية الحديثة ومصطلحاتها، بينما كان الفصل الثالث مهتمّا بدراسة آليات التوظيف الفني على مستوى المبنى الحكائي في الرواية من خلال: الراوي والمروي له، والصياغة الأسلوبية، والزمن السردي، والوصف، والتناص، بوصف هذه المفردات من معطيات الدراسة البنيوية التي استعان البحث بإجراءاتها المنهجية دون تبني هذا المنهج بحذافيره في إعداد هذه الدراسة التي خلصت إلى مجموعة نتائج منها: أن توظيف القصص القرآني جرى بتقنية عالية أكدت فرادة الأسلوب عند الكاتب واتساع الرؤية التي عززها الاطلاع الواسع على تاريخ الصراع في المنطقة، مما يمكن من إدخال هذه الرواية في حقل التجريب الروائي العربي، وإن كان موضوعها ذا طبيعة تاريخية .