سلطة القضاء الدستوري بالترجيح بين المصالح(دراسة مقارنة)

محمد حسين جاسم

سلطة القضاء الدستوري بالترجيح بين المصالح(دراسة مقارنة) الدكتوراه في القانون العام

المستخلص

    يحتل الدستور أعلى سلم الهرم للقواعد القانونية، وهذا ما درج عليه الفقه على تقسيم التشريع على ثلاثة أنواع : تشريع أساسي أو دستور ( صادر من السلطة التأسيسية)، وتشريع عادي أو قانون ( صادر من السلطة التشريعية)، وتشريع فرعي (صادر من السلطة التنفيذية).

لذلك فإن القانون الأسمى والأعلى في أي دولة يكمن في الدستور، لكونه يتولى تنظيم أهم المسائل الضرورية في أي نظام قانوني , فهو الذي يقوم بتحديد هوية الدولة وفلسفة نظام الحكم فيها ، كما أنه يحدد الحقوق والحريات العامة للأفراد في هذه الدولة، ، بالإضافة إلى ذلك فالدستور صادر عن السلطة التأسيسية في الدولة وهي الشعب أو جمعية تأسيسية منتخبة من الشعب، وهذه السلطة بطبيعة الحال تعلو وتسمو على أي سلطة أخرى من السلطات المُنشأة : تشريعية وتنفيذية وقضائية.

       بيد أن تنظيم العلاقات القانونية  في بعض الأحوال يتضمن تضارباً في المصالح بين أطراف العلاقة القانونية ،  لما قد ينتج عن هذا الواقع العملي أو النظري سواء كان ذلك في الظروف العادية أم الاستثنائية  , وتلك الحقيقة موجودة في كل فروع القانون، ويتولى القضاء مهمة التوازن والترجيح بين تلك المصالح، وينشغل بذلك كافة جهات التقاضي , ومن بينها القضاء الدستوري الذي يقوم بالترجيح بين المصالح الدستورية ، سواء أكان هذا الترجيح بين السلطة من جهة والحرية من جهة أخرى، أم كان الترجيح بين التقييد والتقدير للسلطة.

        ومما لاشك فيه ان عملية الترجيح هي عملية لا تخلو من صعوبة , فهي عملية ذات  طابع ذهني    ,وذات طابع تقديري في الوقت نفسه ,وهذه الصعوبة مستمدة من الدستور نفسه وطبيعة المصالح التي يحميها , وتغلغله في كافة جوانب الحياة القانونية في المجتمع , ومن أجل ذلك كان لا بد من رسم ضوابط يتوجب على القاضي الدستوري الالتزام بها عند ممارسته لعملية الترجيح , وتضم هذه الضوابط أسس وحدود لهذا القضاء في عملية الترجيح .

     والواقع أنه لا يمكن أن تكتمل النظرة الشاملة لدور القضاء الدستوري في الترجيح بين المصالح , الا بعد التعرض لتبيان عدم انحراف هذا القضاء في القيام بتلك المهمة , ولعل السبب في ذلك يعود الى الطابع الذهني والتقديري للعملية التي يقوم بها القاضي , إذ أن كل سلطة تقديرية تحفها المخاطر والمشاكل , فقد لا يحسن القاضي استعمال تلك السلطة فينحرف بها عن الغاية التي يتغياها, وهذا ما يحتم تبيان الاسباب الدافعة للبحث عن ضمانات القاضي الدستوري عند قيامه بمهمته  من جهة ,  وعن وجود ضمانات تكفل تقويم عملية الترجيح وتمنع الانحراف في القيام بها ,والتي تتوزع الى ضمانات شخصية وضمانات موضوعية , وذلك كله من أجل أن يحسن القاضي الدستوري في عملية الترجيح بين المصالح الدستورية نظرا لصعوبتها من جهة أخرى.