احكام العنف الأسري في الفقه الأمامي دراسة مقارنة مع القانون

نور محمد جاسم

      احكام العنف الأسري في الفقه الأمامي دراسة مقارنة مع القانون   الماجستير في العلوم الإسلامية

الخلاصة     

يعد القرآن الكريم المصدر التشريعي الأول, في جميع جوانب الحياة  ولهذا نجد أن القرآن الكريم حين يوجه البشر إلى التعاطف والتراحم  يذكرهم بأنهم كانوا في الأصل أسرة صغيرة, فنمت واتسعت مما أوجب عليهم الاحتفاظ بالتراحم والتواصل, مصداقا لقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا)   (النساء1 )

  فإن الأُسرة في حقيقتها منبع للمعاني الإنسانية والمثل العليا, بما يكتسبه الإنسان من صفات نبيلة, من الايثار والتضحية  والوفاء, ولان نظام الأُسرة قد تزعزع في بعض الأُسر بسبب ما ُطرٍئَ على المجتمع من تغيرات سلبية وابتعاد عن الأوامر والنواهي الإسلامية  فكان من الضروري إعادة لفت أنظارهم لما جاء به الإسلام من قواعد ومثل عليا ورصينة ما ِإن اتبعوها وتمسكوا بها فستصبح أسرهم مستقرة متماسكة بصورة خاصة, ويحيى المجتمع الإسلامي سعيدًا بصورة عامة ويجابه مشكلات الحياة في قوة وثبات.

      واستهدافا لتحقيق ذلك, وضعت الشريعة الإٍسلامية القواعد المنظمة لتكوين الأُسرة المسلمة, وسنت النظم الوقائية لتجنب العنف داخلها, وتجريم كل عنف غير مبرر, ووضعت العقوبة المحققة لردع مثل هذه الأُمور, وتحقيق العدالة الجنائية, وكذلك الشأن طبقا لأحكام القانون الجنائي.

      وما تم ذكره من مصطلح (الشريعة الإِسلامية) في هذه الدراسة كان مقتصراً على المذهب الجعفري الأمامي الاثنيِ عشري, وذلك لما يحمله من قواعد وأُصول رصينة لأنه يعد الثقل الأًكبر بعد القرآن الكريم, بهذا نجد أن افضل من رعا وإهتم بالنص القرآني بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هم أهل البيت عليهم السلام وكان حديثهم كله واحد ، كما يقول الامام الصادق (عليه السلام) : (حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحديث رسول الله قول الله (عز وجل))  [الكافي: الكليني 1/53], والثقل الأكبر بعد القرآن الكريم العترة المتمثلة بأهل البيت (عليهم السلام) فإنَّ مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) في علم الفقه عن علوم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعارفه كما في حديث الثقلين التمسك بالقرآن والعترة وأخذ هذه العلوم منهم, قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ( إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) [بصائر الدرجات : الصفار ، 434], وهذا الحديث تذكره الفرق الإِسلامية كلها .

      إن موضوع العنف الأُسري یُعد من المواضیع المھمة لما یحملهُ من تناقض بین ما یُفترض وجوده من عاطفة وحنان لدى أفراد الأُسرة الواحدة تجاه بعضھم البعض وبین ما يحمله العنف من أذى لأشخاص یفترض أن تقدم لھم المحبة والرعایة خاصة .

      إن أثر العنف داخل الأُسرة لا یقتصر على مرتكبه والضحیة فحسب وإِنما یطال جمیع أفراد الأُسرة, وإذا كان من السھل الاعتراف ببعض أنماط العنف في المجتمع خارج الأُسرة كالقتل والخطف والاغتصاب وجرائم الضرب والجرح والإيذاء فأنه من الصعوبة الاعتراف بوجود العنف داخل الأُسرة نظراً لتلك الاعتبارات التي تتعلق بالفھم  الخاطئ  لخصوصية العلاقات الأسرية وما یترتب على ذلك من اعتقاد بضرورة إخفاء أو تقییم ما یحدث داخل الأُسرة من مشاكل حتى وإن انطوت على مظاھر عنیفة قد تودي إلى إیذاء أحد أفراد الأُسرة, وبما أن ھذا الموضوع في غاية الأهمية إلا أنه تعتریه الصعوبات بسبب انغلاق وحدة الأُسرة على الخارج بالإضافة إلى إمكانية استفادة الفاعل من عنصر المباغتة مما یوفر الوقت الكافي لطمس معالم الجریمة لذلك بذلت الجھود في كل المجتمعات من قبل الحكومات والمنظمات الأھلیة للتصدي لھذه الظاھرة إلا أن مواجهة ھذه الظاھرة اختلفت من بلد لآخر ومن مجتمع لآخر فقد تبنت معظم الدول المتقدمة وفي مقدمتھا الدول الأوربية آليات واضحة أدت إلى سن التشريعات وإنشاء المؤسسات التي تعني بالمشاكل المتعلقة بجرائم العنف الأُسري.

      أما الدول العربیة فإن العدید منھا ومنھا العراق تفتقد إلى تشریعات خاصة وواضحة للتعامل مع جرائم العنف الأُسري, إلا أنه في الآونة الأخیرة شرعت بعض الدول العربیة باستحداث عدد من الھیئات التي تعني بشؤون الأسرة وحل مشاكلھا وفي مقدمتھا جرائم العنف الأُسري.

      ولغرض مواكبة التغیرات التي طرأت على المجتمع وخاصة تلك المتعلقة بتحفیز ضحایا العنف الأُسري على تقدیم شكواھم إلى الأجهزة الرسمیة فإنه یفترض وجود قانون أو نصوص تشریعیة تدعمهم وتؤمن الحماية القانونية لهم.

      الدراسات السابقة: لم يدرس موضوع العنف الأسري من ناحيه الفقه الأَمامي المقارن بالقانون من قبل, وإن ما كان من دراسات سابقهَ هو دراسة موضوع العنف الأسري من ناحية علم النفس وعلم الاجتماع وأشاروا إلى بعض مسائلهِ وحسب مذاهب أخرى , فضلاً عن ذلك لم يبرز في ما مضى من الدراسات موقف الفقه الأَمامي من هذا الموضوع ,وكانت هذه الدراسات قديمة وكانت تلبية لحاجات عصرهم فاقتصرت تلك الدراسات على الإهتمام بالموضوع من الناحية النفسية والاجتماعية .

      إلا أن التقدم الحضاري والتطور العلمي والتكنلوجي الذي أدى إلى بروز مسائل جديدة تواجه المجتمع وتخص الواقع, دعا إلى بيان المسائل الفقهية والقانونية التي تخص موضوع العنف الأُسري وبيان ما استحدث من تلك المسائل مُلائماً للتقدم الحاصل الذي شمل جميع مفاصل الحياة الأُسرية, ولعل أهم قضية تواجه المجتمعات اليوم بشكل عام والمجتمع الإسلامي بشكل خاص هي قضية العنف الأُسري, والتي أصبحت مشكلة قائمة بحد ذاتها؛ إذ لم يسلم من أثرها أي مجتمع بل وحتى الحكومات مما دعا إلى دراسة هذا الموضوع وفق الفقه الأمامي مع مقارنته بالقانون العراقي ومحاولة إيجاد الحلول والمعالجات لتلك القضية مع ذكر أسباب العنف الأُسري وأنواعه وفئاته وآثارهِ وأحكامهِ.

      الصعوبات والمعوقات : لا يخلو في حقيقه الأمر أي عمل علمي من صعوبات تعترض الباحث, ولعل من أهم تلك الصعوبات التي تجابه الباحث هي جمع شتات الموضوع المتناثر في دواخل الكتب, أضف إلى ذلك التشعبات والتداخلات مع أغلب الموضوعات, مما شكل عائقا أمام هذه الدراسة, وايضا تتمثل مشكلة البحث ببيان مدى كفاية التشريعات المتعلقة بحماية الاسرة من العنف الاسري الذي تتعرض له على الرغم مما اصاب الحياة العامة وحقوق االانسان بصفة خاصة من تطور وفهم اكيد لحقوق الانسان رجلاً او امرأة مقابلة بما نصته الشريعة الاسلامية و تتفق عليه القوانين الدينية الاسلامية.

      منهج البحث: استعملت الباحثة في الجانب النظري المنهج الوصفي التحليلي الذي يعتمد على عرض الآراء من المصادر الشرعية والقانونية ودراستها بصورة شاملة, وكذلك الجانب الاستدلالي في عرض  ما جاء في كتاب الله من آيات تخص الموضوع ورفدتها بروايات أهل البيت عليهم السلام وعضدتها بآراء أئمة أهل البيت عليهم السلام وآراء الفقهاء الأمامية فيما يخص موضوع العنف الأُسري ومسائلهِ , وقابلت تلك المسائل بما جاء به القانون من مواد وقوانين تخص مسائل العنف الأُسري وربطت الجانب الشرعي بالجانب القانوني في بيان تلك الأَحكام ,وقد ركزت الباحثة على الجانب الفقهي وأخذت من بقية المجالات بقدر ما له علاقة بالبحث.

      خطة البحث: نقسم البحث على مقدمة وثلاثة فصول, نتناول في الفصل الأول مفهوم العنف الأُسري وأسبابه وتميزه عما يشتبه به, وإختص الفصل الثاني بفئات العنف الأُسري وما تحمله كل فئة من حقوق وواجبات شرعية وقانونية, في حين نذكرت في الفصل الثالث وهو الفصل الأخير آثار العنف الأُسري في الأسرة والمجتمع وما له من تبعات مع بيان روايات أهل البيت عليهم السلام التي عالجت تلك الآثار والمظاهر, ثم الخاتمة لتوضيح أهم النتائج التي نتوصل اليها  من خلال ما طرحته في الفصول ثم أعقبتها قائمة المصادر والمراجع التي تم الاعتماد عليها.